«خسائر باهظة» على اقتصاد إسرائيل في 2023.. فهل ستتعمق في العام 2024؟
تواجه إسرائيل خسائر اقتصادية متصاعدة جراء استمرار الحرب التي تشنها على قطاع غزة عقب هجوم حماس في السابع من شهر أكتوبر الماضي، والتي أثرت على الإنتاج والحركة السياحية وضخ الغاز الطبيعي للخارج.. هذه الخسائر يتوقّع أن تستمر حتى العام 2024، مسببة تداعيات اقتصادية خطيرة. وسجلت إسرائيل عجزًا في ميزانيتها قدره نحو 17 مليار شيكل (4.5 مليارات دولار تقريبا) في شهر تشرين الثاني المنصرم؛ وفق ما أعلنته وزارة المالية الإسرائيلية. والشهر الماضي، توقّع محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، أن تصل الخسائر الاقتصادية إلى ما نسبته 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، وهو ما يعادل 52 مليار دولار. وسجل الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثالث من عام 2023 نموا أبطأ مما كان متوقعا، حسبما أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي، بينما من المتوقع أن يتراجع النمو بشكل حاد في الربع الرابع في ظل استمرار الحرب. وبعد نمو بنسبة 6.5 بالمئة في العام 2022، يتوقع أن يتراجع الناتج المحلي لإسرائيل في كامل العام 2023 إلى نحو 2% فقط وذلك جراء التأثير السلبي للحرب جزئيًا. في حين سيتوقف النمو في العام 2024، على مدة الحرب ومدى توسع نطاقها لتشمل جبهات أخرى من عدمه، وفق «رويترز».
خسائر باهظة
يخفف الدعم الأميركي من حجم الضغوطات الاقتصادية، إذ أعلنت واشنطن عن أنها ستقدم دعما بقيمة 10 مليارات دولار للإسرائيليين؛ ما يؤدي إلى تحسن الوضع الاقتصادي في إسرائيل، ووقف السقوط الحر للشيكل وتخفيف الوضع لدى المتعاملين مع إسرائيل، خصوصا في الأسهم الإسرائيلية وفي سوق المال. ويضيف: كانت هناك تخوفات من أن امتداد أجل الحرب قد يهدد استخراج وتصدير الغاز الإسرائيلي، كما يؤثر سلبا بشكل كبير على الإنسان الإسرائيلي؛ لأن اليد العاملة الإسرائيلية جرى استدعاء جزء غير قليل منها للجيش. ويتابع بأن هذا يؤثر أيضًا على هيكل الإنتاج الموجود داخل إسرائيل، ويهدد بتراجع الناتج المحلي الإسرائيلي إلى نحو 7 بالمئة وفق عديد من التقديرات حال استمرار الحرب. ويشير إلى أن الإسرائيليين حاليًا يحاولون تجنب هذا الأمر بتسريح مجموعة من ضباط الاحتياط، لا سيما أنهم يعملوا في القطاعات المهنية الخاصة، بما في ذلك المهندسون والأطباء ومديرو الإنتاج. ويلفت إلى واحدة من التأثيرات المرتبطة بقيام شركات شحن عالمية بوقف الملاحة في البحر الأحمر، والتي غالبًا ما تذهب إلى إسرائيل، لأنها تصل إلى ميناء حيفا قادمة من أوروبا ومنه عبر البحر الأحمر إلى الهند أو شرق آسيا أو القادمة من شرق آسيا إلى ميناء إيلات، ما يؤدي إلى رفع التكاليف التأمينية على الشحنات الإسرائيلية، ويجعل السلع أو التأمين عليها أكثر كلفة. وأعلنت شركة الشحن الدنماركية إيه.بي مولر ميرسك، وهي واحدة من كبريات شركات الشحن في العالم، عن تطبيق رسوم إضافية على البضائع المستوردة من إسرائيل، للحجوزات التي لها تاريخ حساب السعر اعتبارا من 8 كانون الثاني 2024؛ لمخاطر الطوارئ على جميع بضائع العملاء التي يتم تفريغها في موانئ إسرائيل. وكثفت جماعة الحوثي، اليمنية، هجماتها على السفن في البحر الأحمر، في سياق سلسلة هجمات يشنها حوثيون على جنوب إسرائيل ردًا على الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة حماس في قطاع غزة.
أبرز القطاعات
وحول أبرز القطاعات تضررا، يرى أن القطاع المالي، والذي يشمل البورصة وسعر الصرف، يتأثر بشكل كبير، ويتضرر بشكل لحظي، والقطاع الثاني هو الصناعة الإسرائيلية، وهذا يرجع إلى أن اليد العاملة تم استدعاء جزء كبير منها، وهذا يؤثر على هيكل الإنتاج، وربما يكون هناك قطاع آخر وهو قطاع الطاقة أيضاً، ولكن هذا يرجع إلى الظروف العالمية أيضاً وخصوصا أنه تحت سيطرة شركات عالمية، ويخضع للبورصات والأسعار العالمية. وفي ما يتعلق بالتجارة الخارجية، فإن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سوف يخسر من 50 إلى 70 مليار دولار، في حال استمرار الحرب، ولكن هذا الرقم يبدو مبالغًا فيه ويعتمد على الناتج المحلي، وليس بالضرورة أن يكون دقيقًا.
التصنيف الائتماني
وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، توقعاتها لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بعد توقعات سابقة قدرته بنحو 2.8 بالمئة، تراجعت هذه النسبة إلى 0.5 بالمئة فقط خلال 2024، وبنسبة 1.5 بالمئة للعام الجاري 2023 كاملا. ووفق تقرير نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز»، فإنه من المحتمل أن يتضاعف العجز المالي في موازنة 2024 في ظل ارتفاع حجم الإنفاق العسكري على حرب غزة، 3 مرات العام الجاري، والذي يقدر بنحو 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما جاء توقع وكالة موديز بأن يصل العجز إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي العام المقبل.
استمرار الحرب
بدوره، يشير الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن الفلسطيني، أشرف أبو الهول، في تصريحات خاصة لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية»، إلى أنه كلما اشتدت الحرب وتعددت الجبهات، زادت الخسائر «ولكن إذا وصلنا إلى درجة محدودة من الاشتباك، وتحوّلت العمليات الواسعة النطاق إلى عمليات استنزاف، فإن الخسائر ستقل بالتأكيد». ويفيد بأن التوترات في طرق الملاحة في البحر الأحمر من خلال الهجمات اليمنية تؤدي إلى تكبد خسائر كبيرة ليس فقط في التجارة الإسرائيلية، ولكنها تزيد تكلفة البضائع؛ لأنه سيتم نقلها جوًا أو عبر طرق أطول وأكثر تكلفة أو زيادة الكميات التي يتم استيرادها أو تصديرها عن طريق البحر المتوسط. وإسرائيل، كونها اقتصاد صناعي، تعتمد على التصدير بكميات كبيرة، وهي بحاجة أيضًا إلى واردات في ما يتعلق بالخامات والمواد الأولية التي سيكون هناك تأثير على وصولها. ويشير إلى أن هناك تأثيرا آخر للحرب، وهو استمرار وجود قوات الاحتياط الإسرائيلية في ميدان المعركة لفترة طويلة، ما يعني توقف عملهم، فضلا عن أن هناك تعويضات تدفع لأسر القتلى والمصابين الإسرائيليين. وكل هذا يعني مزيدا من الخسائر. إلا أن أبو الهول يلفت إلى أن إسرائيل لديها تجربة قريبة في مواجهة الأزمات، مثل تجربة مواجهة فيروس كورونا. حيث حرصت حينها على إغلاق اقتصادها بشكل كامل، وساعدها في ذلك ما تملكه من احتياطي نقدي، كما أن هناك دعما يأتيها ليس فقط من الدول، بل ومن الجماعات والمنظمات والشركات (بدوافع أيدلوجية) حول العالم، ومصانعها في الشمال والمركز ما زالت تعمل، إلى جانب محاولاتها للتخفيف من هذه الخسائر مع استمرار الحرب.
فقدان الثقة
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى بدرة، لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية»، إن الحروب تؤدي دائمًا إلى خسائر كبيرة على الدول التي تتناحر، وخصوصا في المناطق التي تواجه ندرة في عملية التطور الاقتصادي. وفي الوقت الحالي، يوجد في إسرائيل الكثير من الخسائر في مجال السياحة، وفقدان الثقة في التعامل مع إسرائيل في مجال الاستثمار، حيث كانت هناك اتفاقيات تجارية مع دول إقليمية توقفت هذه لعدم القدرة الإسرائيلية في تفهم الوضع العربي. ويوضح أن الهبوط الكبير للشيكل الإسرائيلي في بداية الحرب يؤدي إلى تضخم كبير في إسرائيل، ومن تداعيات هذا الأمر أيضًا التأثير على الأوضاع الاستثمارية داخل الدولة؛ بخاصة في ظل هذا الحشد في إسرائيل حول الحرب، عبر ما يسمى التعبئة العامة، حيث خرج المواطنون للحرب، ما أدى إلى توقف كثير من خطوط الإنتاج داخل الدولة. ويرى أن الخسائر دائمًا لها مدى زمني يطول لحين استرداد الثقة وليس فقط فترة التوترات؛ ما يعني أنه إذا توقفت الحرب حاليًا، فأمامهم على الأقل من سنة لسنتين لاستيعاب تداعيات الحرب. ويضيف الخبير الاقتصادي، بأن كل هذا سيلقي بظلاله في النهاية على موازنة إسرائيل، التي ستواجه عجزًا كبيرًا ومتكاثرًا من الصعب استعاضته في فترة زمنية قليلة.