الفقر يغذي الإحتجاجات في لبنان مع تفاقم آثار العزل العام
ستة أشهر مرت على داود تمساح بلا عمل. وقبلها كان يكسب دولارين في اليوم من العمل في مقهى بمدينة صيدا في جنوب لبنان إلى أن زاد العزل العام الذي فرضته السلطات لمواجهة جائحة كورونا الضغط على اقتصاد منهار بالفعل.
ولم يتمكن الساسة من الاتفاق على حكومة جديدة منذ استقالة آخر حكومة في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس، وتولت بعدها تسيير الأعمال لتجد نفسها في مواجهة أزمتين: الجائحة ومجتمع يزداد فقرا.
وتفرض السلطات اللبنانية منذ 11 كانون الثاني/ يناير عزلا عاما صارما لمدة 24 ساعة أغلق حتى المتاجر الكبيرة، وذلك بعد زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا بدرجة جعلت النظام الطبي يئن تحت وطأتها.
وفي بادئ الأمر جلب حظر التجول هدوءا موحشا إلى شوارع معظم المدن، لكن قرار تمديده إلى الثامن من شباط/ فبراير دون أي مساعدات مالية تخفف آلامه الاقتصادية أخرج المحتجين إلى الشوارع.
قال تمساح، المتزوج والأب لطفلين، لرويترز “صار لي كتير، صار لي خمس، ست شهور قاعد بلا شغل، بسبب أزمة الكورونا”.
وأضاف “الغلا أثّر، غلا الدولار أثّر، السندويش (الشطيرة) كنت جيبا (أشتريها) بألفين، تلاتة (ليرة)، أربعة آلاف مكسيمم (كحد أقصى)، هلق (الآن) حق (ثمن) السندويشة عشرة آلاف، 11 ألف ليرة”.
وفقدت العملة اللبنانية، الليرة، أكثر من 80 في المئة من قيمتها منذ 2019 عندما تسارعت وتيرة أزمة مالية تفجر على أثرها الغضب في صورة احتجاجات على الاقتصاد والفساد الحكومي وسوء الإدارة السياسية.
وفي ظل عدم تقديم الحكومة عونا يذكر للمواطنين، وجد تمساح بعض الدعم في تبرعات انهالت عليه بعد انتشار صورة له على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ينقب في مكبات القمامة بحثا عن شيء يبيعه.
قال تمساح “في ناس اتبرعتلي بأكل، في ناس عطوني حليب وحفاضات لابني، وفي ناس واعدوني يزبطولي (يصلحوا) البيت ويجيبولي أغراض وبراد (ثلاجة) وهيك”.
وتمساح ليس بدعا من اللبنانيين.
فقد أبلغ وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال، رمزي مشرفية، وسائل إعلام محلية، هذا الأسبوع، بأن 75 في المئة من اللبنانيين في حاجة لمساعدة مالية.
وقال إن الحكومة تعطي 230 ألف أسرة إعانة شهرية قدرها 400 ألف ليرة، وهو ما يقل عن 50 دولارا بسعر السوق السوداء. ويبلغ عدد سكان لبنان ستة ملايين نسمة.
وأقر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بأن هذه الإعانة لا تكفي لتغطية الاحتياجات لكنها تساعد في خفض الأعباء.
احتجاجات
قال إمام مسجد يدعى محي الدين عنتر (45 عاما) لرويترز خلال مشاركته في احتجاج على العزل العام في صيدا هذا الأسبوع “بدكن (تريدون) اتسكروا (تغلقوا) البلد، اتفضلوا أمنوا للناس احتياجاتها وكفايتها. مش مقبول نحبس الناس ببيوتها ونتركها جوعانة”.
وقال محمد فشيش، الذي يعول سبعة أطفال، خلال مظاهرة في طرابلس في الشمال “هيدي السلطة انا نزلت حاربها لأن ما عطتنا ولا حق من حقوقنا”.
وأضاف “لما بدي انزل عند السمان (البقال) لأشتري عشاء لولادي بدي آخد معي كيس كبير مصاري، هيدا اذا في مصاري، كمان هيدا بيخليني انزل”.
واتخذت احتجاجات شهدتها المدينة، على مدى ثلاث ليال، منحى عنيفا عندما أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المحتجين لدى محاولتهم اقتحام مبنى حكومي. وتوفي يوم الخميس محتج في اشتباكات.
وكتب رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري على تويتر “ليس هناك بالتأكيد ما يمكن أن يبرر الاعتداء على الأملاك الخاصة والأسواق والمؤسسات الرسمية بحجة الاعتراض على قرار الإقفال”.
والحريري في خلاف مع الرئيس ميشال عون بشأن تشكيل الحكومة، وهو ما يعرقل المساعدات الخارجية.
ومع مواجهة مزيد من العائلات صعوبة في الوفاء بالاحتياجات الأساسية، تسرع منظمات الإغاثة المحلية الخطى لسد الفجوة.
تتلقى جمعية بسمة وزيتونة، التي تأسست عام 2012، طلبات من عشرة آلاف عائلة شهريا في المتوسط. وفي حين أن معظم المستفيدين لاجئون سوريون فإن نصفهم الآن لبنانيون.
قال فادي حليسو، أحد مؤسسي الجمعية، “كتير قليل كنت تلاقي عيلة لبنانية تطلب مساعدة قبل، على هيك شغلات (أمور) أساسية، كان يمكن حدا يطلب مساعدة بقسط المدرسة، قبل 2019، هلق حتى قسوطة (أقساط) المدارس ما عادت الناس فكّرت فيها، عم تفكر بالشغلات الكتير أساسية”.
وأضاف “عم نحاول نعمل كل شي منقدر نعمله، ما منترك باب إلا ومنطرقه، ناطرين، ان شاء الله، الدولة والسياسيين، هني اللي بإيدن الحلول الحقيقية، ليعملوا شي، الجمعيات بتضَل حلول إسعافية مؤقتة، لبال (إلى أن) ما الدولة بشكل عام تعمل شي ينقذ البلد والاقتصاد”.
Reuters