السقوط الكبير للعهد العوني
كتب المحامي حسن مطر
مع نهاية عهد عون وخروجه من القصر الجمهوري إلى منزله العائلي ليكون رئيس جمهورية سابقا، نسجل بكل الاحترام للجموع البشرية التي انطلقت يوم الأحد 30 تشرين الأول 2022 نحو القصر الجمهوري للمشاركة في رحيل الرئيس عن سدة الرئاسة، لكن ما يقال في هذا الصدد أن الناس تضلل بعض الوقت لكن لا تضلل كل الوقت، وهذا ما هو بادٍ اليوم في هذا الاستعراض الشعبوي الممنهج والمعدّ سلفا باعتبارات عدة: سياسية وحزبية وطائفية وشخصانية، تجعل من الحشود الشعبية مجرد استعراض سياسي تسلكه الأحزاب عادة دون أن يصرف وطنيا، ومن أمثلة ذلك أن هتلر كانت تحتشد له ملايين الجموع البشرية من الألمانيين بالساحات والطرقات والميادين، وكذلك الحال كانت مع موسوليني رجل إيطاليا.. وهذه الصور تتكرر مع كل طاغية يسعى عند نهايته لتحصين نفسه دون أن يدرك أن التاريخ لا يترك للطغاة الاستمرار بالخديعة والتضليل وهكذا كان مصير النازية والفاشية على المستوى العالمي.
وحقائق الأمور تروي للبنانيين أن عون الجنرال ما كان يوما بمكان إلا وتكون المواجهة والنزاع والخلاف متلازمات معه، وما أن أطلّ برأسه نحو العمل السياسي ورغبته الجامحة للوصول إلى رئاسة الجمهورية ولو أدّى ذلك إلى تدمير وطن وتهجير مواطنين، فاعتمد لنفسه أسلوب التمرّد والفتنة لاستخدامها بأبشع صورها منذ أن ضغط على رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل بتوليه رئاسة حكومة عسكرية وهكذا كان. ودخلت البلاد بحكومتين، حكومة الرئيس سليم الحص والحكومة العسكرية برئاسة ميشال عون غير الميثاقية، وغير الدستورية، وسار ومشى مسلسل التخريب للبلاد والمؤسسات والذي بدأ أصلا قبل وصوله لرئاسة الجمهورية، وأثنائها، وبعد الرحيل عنها، حالات الشؤم والكآبة والجوع ودموع أمهات شهداء جريمة المرفأ، وجعل أقربائه نوابا ووزراء تحت ذريعة حقوق المسيحيين وتوريث صهره باسيل الحكم والدولة، وما حصل وسيحصل سوف يكون أخطر وأعظم.
وبناء عليه يومان عرفهما لبنان من أسوأ أيامه منذ نيل استقلاله عام 1943/ الأول، يوم اختيار ميشال عون رئيسا للجمهورية، والثاني يوم رحيله بعد انتهاء مدة عهده مع تحميل المسؤولية لكل من هيّأ له الوصول الى هذا الموقع الذي أضاع قيمته وهيبته وجعله طرفا بدل أن يمارس دور الحكم والقيادة الناضجة والكفاءة والعدالة واحترام القسم الدستوري وحفظ مؤسسات الدولة.
العام 1984 عيّن قائدا للجيش اللبناني بعد أن كان مقرّبا من الجبهة اللبنانية وإسرائيل.
1988- عيّن رئيسا لحكومة انتقالية فاقدة الشرعية والميثاقية ومن طائفة واحدة وبثلاثة أرجل.
– مغتصب السلطة والسلطات.
– أعلن حرب التحرير على سوريا ووصف جيشها بالاحتلال وشتم علنا الرئيس السوري حافظ الأسد، وشنّ حملات سياسية ولاحق نواب المجلس النيابي متهما كل نائب بالخيانة لمشاركته بالطائف بغاية الوصول إلى حلول وطنية للحرب الأهلية اللبنانية.
افتعل حربا بينه وبين سمير جعجع، زجّ فيها بالجيش اللبناني وإسماها حرب الإلغاء، واغتصب القصر الجمهوري وأطلق عليه زورا قصر الشعب، وتصرف كرئيس جمهورية للبلاد. واعتدى على البطريرك الماروني في عقر دار البطريركية، وعندما تمادى بتمرّده وازداد خطره محاولا دون قيام دولة ومنع أي إصلاح وطني، تقرر إخراجه من القصر الجمهوري بمساعدة القوات السورية الموجودة في لبنان فلجأ فارّا إلى السفارة الفرنسية المجاورة لمنطقة القصر الجمهوري وظلّ بداخلها حوالي 11 شهرا إلى أن نقل منفيا الى باريس مدة 15 سنة عاد بعدها إلى لبنان على دم الشهيد رفيق الحريري.
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وخروج القوات السورية من لبنان يوم 27 نيسان 2005 على أثر وقوع جريمة الاغتيال مهّد ذلك لعودة عون للبنان ورحّبت به ما عرفت آنذاك بثورة الأرز، وكان وهو في منفاه الباريسي أعلن عن إنشاء التيار الوطني الحر، وأعلن في لبنان بعد عودته أنه هو ولا أحد غيره ذهب إلى أميركا وحصل على إقرار من الكونغرس الأميركي بقانون معاقبة سوريا، كما كان هو وراء إصدار القرار 1559 الذي ذهب ضحيته رفيق الحريري ومرافقيه ظلما وعدوانا.
ومع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان الرئاسية دخل لبنان الى شغور رئاسي مدة سنتين ونصف السنة، وكان عون قد فرض نفسه مرشحا لمنصب رئاسة الجمهورية بعد أن حصل على دعم مباشر من حزب الله ورسم له السيد حسن نصر الله ممرّا إلزاميا إلى بعبدا ونقطة عالسطر، مما دفع القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع ورئيس المستقبل سعد الحريري بتأييد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية وهكذا نُصّب رئيسا للجمهورية، أُعطي من محازبيه بالتيار الوطني تسميات ونعوتا ما أنزل الله بها من سلطان، منها: الرئيس القوي، وبيّ الكل، ورجل الإصلاح والتغيير. وكان الأمر الظاهر لدى عون أنه الأب لتياره وحزبه وأقربائه، فحسب، الذين جعل قسما كبيرا منهم نوابا، ووزع الآخرين من أنصاره بالمواقع الرسمية في الدولة، قضاة ورؤساء مصالح وإدارات ومراكز عدة بالدولة ومنع توظيفات وتشكيلات أخرى، كل ذلك جرى تحت شعار طائفي ذميم هو حقوق المسيحيين، وكان همّه الأكبر وما زال هو تهيئة صهره لموقع الرئاسة خلفا له.
خاض عون منذ توليه رئاسة الجمهورية اللبنانية أشرس معاركه العلانية والمخفية ضد اتفاق الطائف بكل ما لديه من حقد دفين ووجّه سهامه الحاقدة على كل رئيس حكومة جرى تسميته مرشح لرئاسة الحكومة من النواب ووضع أمامه العراقيل والحواجز ليحول دون تمكين الرئيس المكلف تشكيل حكومته وقد نجح بذلك، هكذا تصرف مع كل رؤساء الحكومات بعهده وأطال عمر وزمن الشغور في رئاسة الحكومات ولم تقف عدوانيته بحدود علاقته مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومات وإنما تعدّتها بكل الدلائل إلى الطائفة السنية والإساءة إليها وإلى رجالها الميامين والى تاريخها المجيد ودورها التاريخي في حماية الوطن والدفاع عن حق المواطنين والعيش بحرية وكرامة، وان الطائفة السنية هي ترفض اعتبارها طائفة وإنما هي أمة شاء من شاء وأبى من أبى.
كل هذه الانحرافات القانونية والدستورية التي ارتكبها ويرتكبها العونيون كل يوم بحق الوطن والمواطن تحت شعار فتنوي هو استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية حسب قولهم.
ومجمل القول إن عهد عون انتهى وغادر القصر لكنه زرع مئات الألغام الكفيلة حسب وجهة نظره أن تضع لبنان في حالات الفوضى الأمنية التي تعيد الحروب والنزاعات الأهلية وعمره ما يبقى لبنان ولا اللبنانيون إن لم تكن رئاسة الجمهورية لصهره الباسيلي ومن بعدهما الطوفان أو إشعال لبنان بنيران جهنم أو بالحرائق على طريقة حريق روما بزمن نيرون، وهذا ما يجب أن يتنبّه له اللبنانيون وخاصة من هم في تياره حتى لا تسري عليهم لعنات اللبنانيين بأسوأ وأسود عهد لم يعرفه لبنان بتاريخ مسيرته، انه سقوط كبير للعهد العوني غير مسبوق، حمى الله لبنان من كيد الحاقدين. واننا لمحزونون أشد الحزن لما وصل إليه وأوصل البلاد والعباد لكل الانهيارات والكوارث بيّ الكل.