كان الله في عون لبنان.. قدرة باريس على الحل تتلاشى وخشية من تسخين الوضع جنوبا
صحيح ان الفرنسيين ما زالوا يبدون اهتماما كبيرا بالملف اللبناني، من زاوية المبادرة السياسية– الاقتصادية التي طرحها الرئيس ايمانويل ماكرون لتأليف “حكومة مهمّة” في بيروت، او من الزاوية الاجتماعية الانسانية حيث تسعى الى عقد مؤتمر لتأمين المساعدات للبنانيين المتضررين من انفجار المرفأ فيما حط رئيس اركان جيوشها فرنسوا لوكوانتر اليوم في لبنان في زيارة تستمر حتى الغد، الا ان الحل والربط في المعضلات اللبنانية المتناسلة، خرج، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة، من يد باريس، التي فقدت على ما يبدو، القدرة على التأثير في مسار الامور لبنانيا، لصالح واشنطن التي باتت كما يتظهر يوما بعد يوم، المؤثّر الاكبر في المستجدات المحلية.
بحسب المصادر، التشدد الاميركي فعل فعله في الملف اللبناني. اولا على الصعيد الحكومي. فالعقوبات التي فرضتها الادارة الاميركية على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ساهمت في صب الزيت على نار التأليف التي كانت مشتعلة اصلا بين الفريق الرئاسي من جهة والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة ثانية. فتشدد رئيس “التيار الوطني الحر” في شروطه، وانتقل حزب الله بوضوح الى خانة مساندته في مطالبه، كونه عوقب نتيجة رفضه “عزل الضاحية”. كما ان المواقف الاميركية التي اطلقتها السفيرة الاميركية دوروثي شيا ووزير الخارجية مايك بومبيو في الايام والساعات الماضية، لجهة رفض مساعدة اي حكومة يكون حزب الله موجودا فيها في صورة مباشرة او غير مباشرة، عقّد أكثر مهمّة الحريري. فكيف يؤلّف من دون موافقة “الحزب” و”التيار” “المغضوب” عليهما اميركيا؟ ويحصل كل ذلك، فيما لاقى الخليجيون من الشرق، النَمط الغربي الصارم، فسحبت ابرز دول منظمة التعاون سفراءها من بيروت، فيما يكثر الحديث عن اجراءات قيد الدرس ستفرضها هذه الدول على اللبنانيين الراغبين في زيارتها او العمل فيها.
واشنطن تبدو، اذا، الاكثر فاعلية وتأثيرا لبنانيا. وبحسب المصادر، ما يجب التوقف عنده، هو ان هذا التشدد الاميركي، يتزامن مع تسخين في التوجهات العسكرية ايضا. فعشية مغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الابيض، يبدو عاقدا العزم على خطوات ما، تقلب التوازنات العسكرية الاستراتيجية في المنطقة، وتضعف المحور الايراني فيها.
فغداة ضربات قاسية سددها الجيش الاسرائيلي للقوات الايرانية وحلفائها في سوريا، حط اليوم بومبيو في القدس حيث تشاور مع المسؤولين الاسرائيليين في الوضع الحدودي قبل ان ينتقل الى الجولان المحتل لتفقّده. وكان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان قدّم رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي (الذي كان يناقش تنفيذ القرار 1701) بمواقع لحزب الله في جنوب لبنان، بحسب ما أفادت صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية الأربعاء. وفي وقت تبدي تل ابيب يوميا اصرارا على ضمان امن حدودها الشمالية، تخشى المصادر ان تكون هذه الحركة الاميركية– الاسرائيلية، تمهّد لعملية ما، ينوي الاسرائيليون شنها على حدودهم الشمالية لـ”تطهيرها” من اي وجود ايراني، قبيل رحيل الادارة الترامبية. وقد نبّه المبعوث الفرنسي باتريك دوريل المسؤولين اللبنانيين منذ ايام، من هذا السيناريو الخطير، داعيا اياهم الى تجاوز خلافاتهم والاسراع في تحصين ساحتهم عبر تشكيل حكومة. الا ان تحذيراته هذه لم تلق ويبدو لن تلقى آذانا صاغية حتى الساعة… كان الله في عون لبنان.
المركزية