التشكيك في قدرات أجهزة الأمن الإيرانية بعد اغتيال فخري زاده!
عالم الفيزياء النووية محسن فخري زاده كان يُعتبر من الأشخاص الذين يتمتعون بحماية شديدة في إيران. لكن اغتياله في وضح النهار بالقرب من طهران، يلقي بظلال قاتمة على جهاز الأمن التابع للحرس الثوري وقدراته الاستخباراتية.
موجة غضب واستياء كبيرة من أجهزة الأمن الإيرانية في مواقع التواصل الاجتماعي بعداغتيال عالم الفيزياء النووية الإيراني محسن فخري زاده،حيث كتب أحد المغردين “في الوقت الذي تنشغل فيه أجهزة المخابرات والجهاز الأمني بقمع الطلبة والناشطات النسويات والصحفيين وأصحاب الفكر المختلف، يتم في وضح النهار اغتيال علماء نوويين في الشارع”، فقد نشرت الكثير من التعليقات والتغريدات المماثلة على مواقع التواصل الاجتماعي عقب اغتيال محسن فخري زاده. إذ أنه وللمرة الثالثة في أقل من عام تفشل الأجهزة الأمنية الإيرانية، وهي التي تتبجح ببسط سيطرتها الكاملة على كل شيء في ايران.
وفي الـ27 من تشرين الثاني/ نوفمبر تعرض عالم الفيزياء النووية محسن فخري زاده، أحد أهم العلماء النوويين الإيرانيين، بالقرب من العاصمة طهران، للاغتيال. وإلى ذلك الحين قلما وُجدت صورة له في الانترنت. وفخري زاده الذي يُعتبر أب البرنامج النووي الإيراني كان من الأشخاص الذين يتمتعون بحماية كبيرة في إيران، وفي عام 2008 نجا من محاولة اغتيال، وحينها قام سائق دراجة نارية بتثبيت متفجرات في سيارته؛ لكن فخري زاده تمكن في الوقت المناسب من القفز من سيارته والنجاة من محاولة الاغتيال. لكن هذه المرة لم تكن هناك فرصة للنجاة.
وحسب ما أفاد به وزير الدفاع أمير حاتمي تم أولا إطلاق النار على سيارة فخري زاره ثم انفجرت عربة محملة بمتفجرات على بعد 15 إلى 20 مترا من سيارته، فنقل فورا إلى المستشفى حيث توفي هناك متأثرا بجراحه.
الموساد يسرق عام 2018 وثائق هامة من إيران!
وفخري زاده كان خبيرا في صنع الصواريخ. ومنذ مايو/ أيار 2018 على أبعد تقدير تعرف عليه الرأي العام العالمي كشخصية محورية في البرنامج النووي الإيراني، وحينها عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال مؤتمر صحفي وثائق تمكن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الموساد من الوصول إليها في إيران وجلبها إلى إسرائيل. وعرض نتانياهو تفاصيل هامة حول البرنامج النووي الإيراني وقال مؤكدا “تذكروا هذا الاسم: فخري زاده”. وحسب المعطيات الإسرائيلية ترأس فخري زاده مطلع الألفية الجديدة مشروع البرنامج النووي العسكري الإيراني تحت اسم “الأمل”.
وحصل الموساد خلال عمليته في عام 2018 على أكثر من 55 ألف صفحة من الوثائق السرية في طهران. ويبدو أن عملاء الموساد فتحوا بأجهزة خاصة عدة خزائن مغلقة بإحكام شديد في مكان محصن، لا يمكن الوصول إليه وإلى الوثائق بدون مساعدة أشخاص من داخل المكان نفسه. وعملية الموساد تلك وفي قلب طهران كانت بمثابة فضيحة لأجهزة الأمن الإيرانية، لاسيما بالنسبة إلى جهاز مخابرات الحرس الثوري المسؤول عن الجزء العسكري من البرنامج النووي الإيراني، والذي يوظف لهذا البرنامج أشخاص من دوائرته الضيقة.
كيف أمكن اغتيال فخري زاده؟
وحتى فخري زاده البالغ (63 عاما) كان ينتمي للحرس الثوري منذ شبابه. وكان يخضع لحماية الحرس الثوري، وذلك على غرار قائد فيلق القدس، قاسم سليماني الذي اغتيل في يناير/ كانون الثاني 2020 من قبل الجيش الأمريكي. ومعلومات حول مكان تواجد سليماني في العراق قدمها مترجم من فيلق القدس في سوريا للمخابرات الأمريكية والموساد، حسب ما أعلنه القضاء الإيراني في يونيو/ حزيران الماضي والذي قال إن اسمه محمود موسوي مجد وقد أُعدم في يوليو/ تموز بتهمة التجسس لصالح أجهزة الاستخبارات الامريكية وإسرائيل، مقابل مبالغ مالية كبيرة. وحقيقة أن موسوي مجد حسب مصادر رسمية كان معتقلا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018 يثير تساؤلات عديدة من قبيل: كيف حصل وهو في السجن وبعد عامين على معلومات حول مكان تواجد الجنرال سليماني ونقلها لغيره؟ لكن القضاء ومخابرات الحرس الثوري لم يجيبا على ذلك!
ثغرات أمنية مستمرة في أجهزة النظام!
“تفاصيل حول البرنامج النووي تُسرق وأشخاص يتمتعون بحماية شديدة يتم قتلهم، وفي المنشآت النووية تحصل أعمال تخريب. وسلطات الأمن ليس بوسعها فعل شيء ما عدا اعتقال صحفيين وقمعهم”، كما كتب الصحافي الإيراني مهدي مهداوي أزاد. وفي يونيو/ حزيران 2020 تعرضت المنشأة النووية في نطنز لعملية تخريب. وانفجار خلّف في المنشأة النووية أضرارا كبيرة وعرقل إنتاج جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وفي أغسطس/ آب أكد المتحدث بإسم وكالة الطاقة النووية في التلفزيون الحكومي الإيراني أن “الانفجار في نطنز كان نتيجة عمل تخريبي. والسلطات الأمنية ستكشف في الوقت المناسب السبب”. لكن حتى الآن لم يعرف من كان وراء هذه العملية.
وعقب مقتل فخري زاده تعهد قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي بالثأر له، وهو إعلان أثار التهكم في مواقع التواصل الاجتماعي: “على غرار ما وقع بعد مقتل الجنرال سليماني. حينها هاجمتم قواعد عسكرية أمريكية فارغة، لكن في الوقت نفسه أسقطتم طائرة ركاب بريئين”، يكتب أحدهم في تغريدة على تويتر في إشارة إلى إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية من طرف ايران في يناير 2020 ومقتل 176 شخصا كانوا على متنها.
شبنام فون هاين
DW