20 عاما على تأسيسها.. هل “ويكيبيديا” Wikipedia محايدة وتتمتع بالمصداقية؟
لا شك أن الموسوعة الرقمية المجمّعة من مقالات المستخدمين ساعدت الباحثين عن المعلومة كثيرا، لكن هناك الكثير من النقد للمنصة. فما مدى حيادية ومصداقية ما تقدمه ويكيبيديا؟ وكيف يمكن تجنب الوقوع في فخ المعلومات المضللة؟
الموقع العالمي الذي وصفه البعض بـ”الكنز”، إحتفل (الخميس 14 كانون الثاني/ يناير 2021) بعيد ميلاده العشرين. ووفقا لدراسات سابقة تم إجرائها في سنوات سابقة، ومن ضمنها بحث منشور على موقع Nature في عام 2005 وتقرير أخر بتكليف من مؤسسة ويكيميديا عام 2012، لا تقل مدخلات الموقع في جودتها عن الموجود ببعض الموسوعات المرموقة.
ويكيبيديا بالعربية!
وتحمل النسخة العربية من الموقع الشهير اسم “ويكيبيديا العربية”، وانطلقت في التاسع من شهر يوليو عام 2003. ووصل عدد المقالات على النسخة العربية اليوم إلى أكثر من مليون، وحوالي مليوني عضو مسجل. لتحتل ويكيبيديا العربية المركز الـ16 من حيث عدد المقالات، والمركز الثامن من حيث العمق، متجاوزةً بذلك العمق في النسخ الفرنسية والألمانية والإسبانية وغيرها، وفقا لما تذكره النسخة العربية من الموسوعة.
وتلعب ويكيبيديا العربية دورا كبيرا في عالم الإنترنت، “فهي تغطي فراغا للمستخدم الناطق باللغة العربية” لغياب المشاريع الموسوعية العربية الرقمية ذات الجودة. ولكن يبقى من الصعب الحديث عن مدى تماسك ما يقدمه الموقع من معلومات، طالما من الممكن تغييرها في أي لحظة.
وفي بعض الأحيان، تتوقف جودة المعلومات على عدد الكلمات إذ أن المقالات الأطول تحتوي عموما على تفاصيل أكثر، إلا أن معيار الطول هنا يختلف باختلاف اللغة.
فالجملة في اللغة الفرنسية، على سبيل المثال، ربما تحتوي على عدد أكبر من الكلمات مقارنة باللغة السواحيلية، المستخدمة في شرق أفريقيا، والتي تعتمد على ربط الفاعل والمفعول به والزمن بالفعل.
وينبه العامل بالقسم الألماني لمؤسسة ويكيميديا، مارتن رولش، من أن تقييم المقال وفقا لحجمه يعتبر معيارا محدود بسبب حاجة حروف بعض اللغات لمساحة أكبر مقارنة بحروف لغات أخرى.
ويشرح رولش، والذي تطوع للعمل في ويكيبيديا بعدة مهام لأكثر من 15 عاما، أن “الجودة يجب أن يتم قياسها بمعايير فردية”، حيث أن عدد كبير من المتطوعين لم يقوموا بالضرورة بمهمة الترجمة بغرض تحقيق المزيد من الجودة. ويوضح رولش أن المقال الذي يحتوي من البداية على الكثير من التفاصيل والحقائق، لن يفيده بالضرورة الكثير من التغيير والملاحق.
ويضيف رولش أنه ليس من السهل التواصل بسرعة مع الكتاب من كل لغة، ما يصعب مسألة قياس جودة محتوى ويكيبيديا باستخدام وصفة واحدة للجميع.
من هم الكُتاب على موقع ويكيبيديا؟
ويمكن للأخطاء الإملائية وضعف النحو أن يكونا مؤشران على كون المقال دون المستوى، وفقا لنينيا فولبرس، المديرة بمؤسسة الفرص الرقمية في ألمانيا والتي تروج لتحقيق الشمول الرقمي للقضاء على الفروق المجتمعية والرقمية. وترى فولبرس أن على مستخدمي ويكيبيديا “الانتباه ما إن كان المقال محايدا أم يعبر عن رأي، وما إن كان يقدم نظرة عامة واسعة ورؤى مختلفة”.
وتنصح فولبرس المستخدمين بتوخي الحذر من التناقضات، والتأكد دائما من المصادر “إن أردت معرفة ما إن كانت المعلومات صحيحة”. وتؤكد على ضرورة أن تكون الفقرات المقتبسة منسوبة لمصادر يمكن للمستخدم التحقق منها، حيث أن “من المنطقي أن نضغط ببساطة على رابط المصدر”.
وتستخدم فولبرس ويكيبيديا للحصول على نظرة عامة حول أمرا ما، “لكن هذا لا يعني الحصول على إجابة نهائية”، على حد وصفها. وتضيف فولبرس أن “على المستخدمين تذكر أن ويكيبيديا هو موقع يتم استخدامه من جانب الكثير من الكتاب، وبالإمكان إضافة تعديلات سريعا”.
كيف تختلف المقالات باختلاف اللغة؟
المقالات المختلفة المكتوبة عن نفس الموضوع يتم تحرير كل منها بشكل مستقل بواسطة كتاب من لغات مختلفة. ويمكن لهذه المقالات التركيز على جوانب مختلفة للموضوعات، بل ويمكن حتى لكل منهم تقديم معلومات شديدة الاختلاف. فالمقالات عن شبه جزيرة القرم والتي ضمتها روسيا إليها من أوكرانيا في مارس عام 2014، على سبيل المثال، تختلف باختلاف اللغة.
وقام فريق من “دويتشه فيله” بالتحقق من صحة المقالات بتحليل المدخلات الروسية والألمانية والأوكرانية. ووجد الفريق أن النسخة الألمانية تسمى القرم بـ”شبه الجزيرة الأوكرانية”، بينما لا تذكر المقالات باللغة الروسية انتماء القرم لأوكرانيا لكنها اعترفت بوجود خلاف حدودي.
واحتوت المقالات على غالبية المعلومات الأساسية والحقائق عن المنطقة، إلا إنها اختلفت حول الوقائع الأحدث حيث احتوت النسخة الأوكرانية على جزء يسمى “ضم القرم”، بينما تشير المقالات الروسية للأمر بـ”انضمام القرم للاتحاد الروسي”.
ومعظم المدخلات باللغة الروسية عن الموضوع لم تنجح في ذكر أن استفتاء شهر آذار/ مارس عام 2014، والذي أدى لضم القرم، لم تعتبره حكومة أوكرانيا والعديد من المؤسسات الدولية “شرعيا” ولم يعترفوا كذلك بالضم.
واستخدم مارتن رولش، النزاع الذى اشتعل مجددا بين أرمينيا وأذربيجان مؤخرا على إقليم ناغورنو كاراباخ كنموذج آخر. وقال رولش: “أرى الصراع على ويكيبيديا لأكثر من 10 سنوات. المشكلة هي في التعريف، هل كان الأمر إبادة عرقية أم لا؟ ومن الذي بدأها؟”.
ويمكن للمتطوعين في ويكيبيديا، مثل رولش، العمل كوسطاء في هذه المواقف ويشرح:”لا أعتقد أن هناك حقيقة وحياد ولكن هدف ويكيبيديا هو الاقتراب من هذين العاملين بقدر الإمكان، وأن نسعى لتحقيقهما”. ويضيف رولش “إن لم تتوفر وجهة النظر المحايدة، حينها يمكن تقديم عدة وجهات نظر”.
أما المديرة بمؤسسة الفرص الرقمية في ألمانيا، نينيا فولبرس، فتنصح المستخدمين باستخدام أدوات الترجمة لقراءة مقالات ويكيبيديا باللغات الأخرى، إلى جانب البحث بمصادر أخرى.
هل يتلاعب الساسة بـ”ويكيبيديا”؟
تم التبليغ عن العديد من الحالات التي تلاعب فيها سياسيون بالمقالات المكتوبة عنهم. ففي ألمانيا، تم اتهام مجموعات التأثير في مجال الطاقة بتغيير المواد على ويكيبيديا للظهور بمظهر أكثر حرصا على البيئة.
كما يوجد على ويكيبيديا مجموعة من المقالات غير الصحيحة بتسع لغات، كمقال خادع ظل على الموقع لأكثر من 14 عام عن أكلة لحوم بشر منقرضين غير حقيقين يحملون اسم “موستلودون”.
ويرى رولش أنه ” كلما زاد غموض الموضوع، انخفضت احتمالات قراءة الناس له وزادت فرصة التلاعب”. ويوجد أليات لمنع وقوع ذلك التلاعب، ولكن ويكيبيديا غالبا ما يعتمد على المستخدمين. ويقول رولش: “نظريا، يمكنني الآن نشر نظريات مؤامرة عن عصور سابقة لأن ربما لم يقرأ الكثيرون عنها. ولكن إن لاحظ شخص ما أن هناك رابط لكاتب آخر، فحينها يمكنه فحص تعديلاتي بدقه”.
رولش على معرفة جيدة أيضا بصفحات غير الألمانية للموقع، إذ يعمل بمنصب “متعهد”، وهو ما يعطيه منفذ لنسخ ويكيبيديا “المصغرة” بلغات أخرى، والتي تحتوي على أقل من 50.000 مقال و10 مسؤولين يقدم رولش لهم الدعم. ويقول رولش أن هناك ميل أقل نحو التلاعب بالمقالات والمدخلات في النسخ المصغرة بسبب وجود قراء أقل لها.
آليات ويكيبيديا للرقابة
ولمنع التلاعب، يمكن لإدارة الموقع شطب المستخدمين الذين يخالفون القواعد، كما يمكن للموقع حماية المقالات بحيث يمكن لمستخدمين محددين تعديلها. فعلى سبيل المثال، النسخة المكتوبة باللغة البوسنية عن مذبحة سريبرينيتسا عام 1995 محمية، وتم أيضا تحديد الحقوق لتحرير المدخلات المختلفة باللغة الإنجليزية في الموضوعات المكتوبة حول الانتماءات الجنسية.
ويقول رولش أنه على مدار السنوات تطور نظام لرقابة الجودة. فعلى سبيل المثال، المدخلات الألمانية يجب أن تحصل على الضوء الأخضر قبل النشر. أما المستخدمين المسجلين فقط هم المسموح لهم كتابة مقال جديد باللغة الإنجليزية. ويتم أيضا استخدام أدوات تقنية لرصد كلمات معينة، كالمصطلحات المبتذلة أو الفاحشة. كما يوجد أداة شفافية متوفرة في كافة النسخ بكل اللغات لعرض تاريخ التعديلات والحذف.
هل ويكيبيديا مصدر موثوق للمعلومات؟
الكثير من المدخلات معتمدة وتم التحقق منها للتأكد من جودتها كما إنها، على عكس الكتب، مُحدّثة. ولكن بعد مرور 20 عاما من تأسيس الموسوعة الرقمية، لا يمكن القول بأنه يمكن الاعتماد بنسبة 100٪ على ويكيبيديا، لأن المعلومات يمكن التلاعب بها، إلى جانب أن بعضها لا يمكن تتبع مصدرها. ولهذا يحث موقع ويكيبيديا نفسه مستخدميه على الانتباه واستخدام قدرتهم على التقييم والحكم والنقد.
أوتا شتاين فيهر
DW