في طرابلس أكثر من 220 جريحاً في الليلة الثالثة من المواجهات بين المحتجين وقوى الأمن

في طرابلس أكثر من 220 جريحاً في الليلة الثالثة من المواجهات بين المحتجين وقوى الأمن

أصيب أكثر من 220 شخصاً بجروح في اشتباكات عنيفة دارت، الأربعاء، لليلة الثالثة على التوالي، في مدينة طرابلس بين قوات الأمن ومتظاهرين خرجوا للإحتجاج على القيود الصحيّة والأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمرّ فيها البلاد. وقال شهود ووسائل إعلام محلية إن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحي على محتجين حاولوا اقتحام بلدية المدينة.

قال الصليب الأحمر إن مسعفيه عالجوا 67 شخصا على الأقل ونقلوا 35 آخرين للمستشفى. وذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام”، الأربعاء 27 كانون الثاني/ يناير 2021، إنّ المواجهات أسفرت عن سقوط 226 جريحاً، 66 منهم نقلوا إلى المستشفيات بسبب خطورة إصاباتهم، والبقية أسعفتهم ميدانياً طواقم طبية تابعة للصليب الأحمر اللبناني وجهاز الطوارئ والإغاثة.

وفي تغريدة على تويتر قالت قوى الأمن الداخلي إنّ عددا من عناصرها تعرّضوا لهجوم “بقنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف، مما أدّى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط، أحدهم إصابته حرجة”.

وأفاد مراسل وكالة فرانس برس أنّ المواجهات اندلعت، بعد الظهر، عندما رمى عشرات الشبّان الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات بإتّجاه عناصر القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة وخراطيم المياه لتفرقتهم، في مشهد تكرّر في اليومين السابقين.

بعدها حاول حشد من المحتجّين الغاضبين اقتحام مبنى السراي، مقرّ محافظ المدينة، بينما تجمّع آخرون في ساحة النور، أحد أبرز ميادين الاعتصام خلال الاحتجاجات الضخمة التي شهدها لبنان بطوله وعرضه ضدّ الطبقة الحاكمة في خريف 2019، ونفذوا اعتصاما سلميا وسط مكبرات الصوت المنقولة على الشاحنات والتي تبث أناشيد وطنية وثورية.

وتزامنا مع الاعتصامات والإحتجاجات، جابت مسيرة راجلة وعلى الدراجات النارية شوارع مدينة طرابلس، شارك فيها عدد كبير من الحراك الشعبي، وأطلق المشاركون هتافات تطالب بـ”محاسبة الفاسدين واسترداد الاموال المنهوبة”.

رصاص حيّ

وعند المساء، سُمع إطلاق أعيرة نارية حيّة مجهولة المصدر في منطقة موقع التظاهرة بينما أشعل المتظاهرون النار في مدخل مبنى للشرطة.

وأفادت “الوكالة الوطنية للاعلام” ان عناصر قوى الأمن اطلقت الرصاص في الهواء، بشكل كثيف، بهدف ابعاد المحتجين الذين القوا قنبلة مولوتوف على مبنى السراي، وحاولوا الدخول إليها من الجانب الخلفي. وقد دفع ذلك المحتجين الى الابتعاد نحو الشوارع الفرعية المحيطة بالسراي.

وقالت الشرطة وشاهد إن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع وطلقات مطاطية على محتجين كانوا يقذفون الحجارة وألقوا قنابل مولوتوف وأشعلوا النار في سيارة. وأصيب عشرات. وأردت “الوكالة الوطنية” احتراق سيارتين بجانب الباب الخلفي للسرايا .

ولم تعلق الشرطة على الفور على ما إذا كان قد تم إطلاق ذخيرة حية. وأظهرت تغطية رويترز شررا يتساقط على الأرض ربما نتيجة طلقات مرتدة، وسُمع دوي أعيرة نارية.

وقال محمّد (25 عاماً)، المتظاهر الملثّم الذي فقد عمله مؤخراً في تصليح السيارات، “اتخذنا قرارًا بمواصلة تحركاتنا مهما كلّف الثمن (…) لأنّه لم يبق لنا ما نخسره في البلد”. وأضاف “نحن نعيش في المدينة بظروف بائسة، لم أترك بابًا إلا طرقته لكنّني لم أجد فرصة عمل تؤمّن قوتنا اليومي”.

بدوره قال محمد عز الدين (20 عاماً)، الذي يعمل في متجر لبيع المنظّفات، “نحن هنا لنطالب بالأكل، الناس جاعوا”، مشيرًا تحديدا إلى الأحياء الشعبية والفقيرة في مدينة طرابلس.

وقال سمير أغا الذي شارك في احتجاج طرابلس قبل اندلاع الاشتباكات، مساء الأربعاء، “العالم تعبانة.. فقر وتعطيل وتسكير وما في شغل… مشكلتنا في أهل السياسة”.

وبعد ساعات عدة من الاشتباكات، نشرت قوات الأمن الداخلي والجيش اللبناني تعزيزات حول مبنى السراي وفي ساحة النور لتفريق المتظاهرين ومنعهم من اقتحام مقرّ المحافظة. لكنّ المتظاهرين تراجعوا إلى الأزقة المجاورة حيث تحصّنوا لتستمرّ الاشتباكات حتى وقت متأخر من منتصف الليل.

وكانت مواجهات مشابهة لكن أقلّ حدّة أسفرت، الثلاثاء، عن إصابة 45 شخصًا، مقارنة بـ30 شخصًا أصيبوا في المواجهات التي دارت يوم الإثنين، وفقًا للصليب الأحمر اللبناني.

وطرابلس، ثاني كبرى مدن لبنان، كانت أصلًا إحدى أفقر مدن البلاد حتّى قبل أن يتفشّى فيروس كورونا المستجدّ وتضطر السلطات لفرض تدابير إغلاق عام في محاولة لوقف تفشّي الجائحة، في إجراءات أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية في البلاد.

بطالة

ووجد قسم كبير من سكّان المدينة، ولا سيّما منهم العمال المياومون، أنفسهم بدون أي مدخول منذ دخلت حيّز التنفيذ إجراءات الإغلاق العام.

وبالإضافة إلى الوضع الصحّي شبه الكارثي، غرق لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975- 1990) إذ انخفضت قيمة عملته إلى مستوى غير مسبوق وتضاعفت معدّلات التضخّم في البلاد واضطرت شركات عديدة إلى القيام بعمليات تسريح جماعية لموظفيها.

وبات نصف سكان لبنان الآن يعيشون تحت خط الفقر، في حين أن الطبقة الحاكمة متّهمة بعدم الاكتراث بمشاكلهم.

وبعدما كانت حركة الاحتجاج ضدّ تدابير الإغلاق العام تقتصر على مدينة طرابلس لوحدها، امتدّت شرارة الاحتجاجات، يومي الثلاثاء والأربعاء، إلى مدن أخرى حيث قطع متظاهرون بعض الطرق.

وفي العاصمة بيروت، أضرم متظاهرون النار في إطارات سيارات أمام جدار يفصل ساحة رياض الصلح في وسط المدينة عن مقرّ البرلمان، فيما أغلق آخرون طريق المدينة الرياضية بحاويات القمامة والإطارات المشتعلة، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.

وفي وقت سابق من يوم الأربعاء، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إن الإغلاق ضروري لاحتواء الفيروس. وأقر بأن المساعدات الحكومية ليست كافية لتغطية الاحتياجات لكنه قال إنها تساعد في تخفيف الأعباء.

ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقًا عامًا مشدّدًا مع حظر تجول على مدار الساعة يعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، لكنّ الفقر، الذي فاقمته أزمة اقتصادية لا تنفكّ تتفاقم، يدفع كثيرين الى عدم الالتزام سعيًا إلى الحفاظ على مصدر رزقهم.

فقر

إن تشدّد السلطات في تطبيق الإغلاق العام الذي يستمر حتى الثامن من شباط/فبراير وتسطير قوات الأمن يومياً الآف محاضر الضبط بحق مخالفي الإجراءات، لا يمنع كثيرين، ولا سيّما في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية، من الخروج لممارسة أعمالهم، خصوصاً في طرابلس حيث كان أكثر من نصف السكان يعيشون منذ سنوات عند أو تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويرجّح أن تكون النسبة ارتفعت على وقع الانهيار الاقتصادي.

وذكرت وسائل اعلام محليّة، الثلاثاء، أنّ أباً، يعمل سائق أجرة، أقدم على ترك طفلته، التي تبلغ بالكاد عامين، مع أحد ضباط الجيش، ليلاً، في طرابلس لعدم قدرته على إطعامها. وتولى الصليب الأحمر الكشف عن صحتها قبل أن يصار الى توقيف الأب ثم تسليمه الطفلة.

ولبنان، البالغ عدد سكّانه ستة ملايين نسمة، سجّل منذ مطلع العام معدّلات إصابة ووفيات قياسية، بلغت معها غالبية مستشفيات البلاد طاقتها الاستيعابية القصوى. وارتفع عدد الإصابات منذ بدء تفشي الفيروس إلى أكثر من 289 ألفاً و660، بينها 2553 وفاة.

وشهد لبنان حركة احتجاج غير مسبوقة في خريف 2019 ضدّ الطبقة الحاكمة المتّهمة بالفساد وانعدام الكفاءة وعدم الاكتراث. وخفّت حدّة الحركة الاحتجاجية تدريجياً قبل أن تتلاشى تماماً مع تفشّي كوفيد-19 وتدابير الإغلاق العام المتتالية التي فرضتها السلطات. ولا يزال لبنان من دون حكومة منذ آب/ أغسطس، بسبب عدم توصّل الأحزاب الحاكمة إلى اتفاق، على الرّغم من تعرّضها لضغوط محليّة وإقليمية ودولية قوية.


AFP | Reuters | NNA

Spread the love

MSK

اترك تعليقاً