حسن فضل الله: نحن أهل الحوار والتلاقي والوصول إلى تفاهمات وطنية هذا هو الأساس لحلِّ المشاكل الداخليّة وليس إستدعاء الدول للتدخِّل
رأى عضو كتلة “الوفاء للمقاومة”، النائب حسن فضل الله، أنّ “لبنان بلد متنوع، وفيه آراء كثيرة، والجميع له الحقّ في التعبير مع إحترام الآخر وتعدِّد الأراء، ولغبطة البطريرك أراؤه ونحن لدينا آراؤنا. هو يرى في التدويل حلًّا لمشكلة لبنان، ونحن نرى في هذا الطرح تعقيدًا للمشكلة، لأنّ ما يهمُّ الدول مصالحها، ولها حساباتها؛ فالولايات المتَّحدة هي المؤثِّر الأساسيُّ في الأمم المتَّحدة، ولا تنظر إلى الأمور إلّا من زاوية المصالح والأطماع الإسرائيليّة.
البطريرك له توصيفه للوقائع والأزمة الحالية وأسبابها وطرق معالجتها، ونحن نختلف معه في هذا التوصيف. فلا يمكن تجاهل العامل الإسرائيليِّ عند الحديث عن التدويل الذي هو خطر على لبنان، ورأَينا ما حلَّ في ليبيا والعراق وسوريا بسبب التدويل، فهل حمى المسيحيّين؟ أين هم المسيحيّون في هذه الدول؟ فلو لم تدافع عنهم الدولة السوريّة والمقاومة لما بقي منهم أحد هناك”.
وقال في حوار تلفزيوني على قناة الـ”ال بي سي”: “البطريرك يعبِّر عن وجهة نظر مجموعة من الناس الذين إجتمعوا عنده، بينما هناك فئات واسعة من الشعب اللبناني لا تؤيِّد وضع لبنان تحت وصاية دوليّة، ولا أحد يستطيع إختصار الشعب اللبناني بموقفه من أيِّ قضيّة، فهو يمثِّل مرجعيّة لفئة من اللبنانيّين، وهناك مرجعيّات أخرى لها تمثيلها ولكلٍّ منها دورها، ونحن نحترم هذه المرجعيّات، وكلُّ جهة تعطي المجد لمن ترى أنّه أعطى المجد للبنان، وهناك طرق لمعرفة رأي اللبنانيّين، منها الإستفتاء والإنتخابات، ونحن لا نناقش في موقع بكركي ودورها ومن تُمثِّل، بل في الطرح السياسيِّ الذي قدَّمته وهو التدويل الذي بيَّنت التجارب أنَّ دخول الدول على لبنان سيؤدِّي إلى تهديد وجوده، ولنتذكَّر أنّه خلال الحرب الأهليّة، وقبل ولادة حزب الله، طرح كيسينجر ترحيل المسيحيّين من لبنان.
وفي الطائف كانت هناك مساعدة دوليّة، لكن اللبنانيّين تحاوروا ووصلوا إلى صيغة صارت دستورًا. وهناك، إلى اليوم، من لا يريد تطبيق الدستور، ويتعاطى معه مثل إله التمر، فعندما جاع مَن كان يعبده أكله.
ويجب التفريق بين التدويل والمؤتمر الدوليّ من جهة، وطلب المساعدة، وعدم الخلط بينهما. فنحن لا نمانع في تقديم يد العون للبنان، وتجاوَبنا مع المبادرة الفرنسية، وهذا يختلف عن دعوة الدول لتفرض وصايتها على لبنان. فعدم إتفاق اللبنانيّين على حلول داخليّة لا يعني إستدعاء الدول الأخرى لتفرض وصايتها. وموقفنا في هذا المجال واضح، الحلُّ داخلي ومُنطلَقه تفاهم بين اللبنانيّين”.
وقال: “ما شهدناه في بكركي، على مرأى ومسمع البطريرك، تجمُّع لشتم فئة واسعة من اللبنانيّين، وتهجُّم على فخامة رئيس الجمهورية. فهل يناسب بكركي والبطريرك ما جرى أمامه مِن تعرِّض لرئيس الجمهورية الذي هو رئيس البلاد، وبحسب العرف يمثِّل المسيحيّين في السلطة. وكذلك، إطلاق الشتائم ضدَّ فئة واسعة من اللبنانيّين تمثِّلهم المقاومة، وهذا لا يختصّ فقط بجمهور حزب الله. كنا نتوقَّع تصرفًا مختلفًا حول ما حصل أمام البطريرك، ولم نرَ أيَّ ردَّة فعل.
بالنسبة إلينا، لغة الشتائم هي دليل ضعف مطلقيها وعجزهم وإحباطهم وعدم قدرتهم على تقديم أيِّ منطق؛ ففي ثقافتنا، لا يلجأ إلى هذا الأسلوب إلّا الضعيف ومن لديه ضحالة في الثقافة.
كُنّا أمام خطاب موجَّه لهؤلاء فقط، وليس لعموم اللبنانيّين، فهؤلاء يعبِّرون عن جهات محدَّدة من المسيحيّين، بينما هناك آخرون لهم رأي آخر، ولم تجد بقيَّة الفئات اللبنانيّة نفسها في هذا الخطاب، بل على العكس من ذلك، وإلّا مثلًا، وأنا من منطقة حدوديّة عانى أهلها، منذ عام 1948، من العدوان الإسرائيليِّ، ولولا المقاومة كانت المعاناة إلى اليوم.
أين يقع الخطر الإسرائيليُّ الوجوديُّ على لبنان في مثل هذا الخطاب، وهل نحيِّد لبنان بالتخلّي عن عناصر قوَّته وعن مقاومته لنتركه للعدوانيّة الإسرائيليّة، وهل لديهم ضمانة بأن لا تعتدي إسرائيل.
الناس، اليوم أكثر من أيِّ وقت، تتمسَّك بالمقاومة وسلاحها، لأنّها رأت النتائج، بينما مَن منع لبنان من بناء جيش قويٍّ وتسليحه! لم تكن المقاومة موجودة من عام 1948 إلى العام 1967، عندما جرى إحتلال مزارع شبعا، ولماذا، إلى اليوم، لا يتمّ تسليح الجيش، ونحن من أكثر المطالبين بتسليحه، لكن الفيتو أميركي، والسلطات المتعاقبة، منذ العام 1948، لم تبنِ جيشًا قويًّا ليقوم بدوره، ولو كان لدينا دولة تحمي وتدافع عن بلدها لما نشأت المقاومة، فمن يريد أن يقدِّم خطابًا لكلِّ اللبنانيّين عليه أن لا يتجاهل فئات واسعة عانت من الإحتلال الإسرائيليِّ ومن داعش التي إحتلَّت الجرود، وخطرها لا يزال قائمًا”.
وأضاف: “اللعبة مكشوفة في لبنان، هناك محاولة إستهداف لرئيس الجمهورية والتيّار الوطنيّ الحرّ في الشارع المسيحيِّ لتحقيق مكاسب إنتخابيّة، ولذلك يتمُّ التصويب عليه تارة، بشكل مباشر، وتارة أخرى على سلاح المقاومة، لتحميله مسؤوليّة الأزمة الماليّة والإقتصاديّة، وللقول للمسيحيّين أنَّ حليف التيّار هو المسؤول عن معاناتكم.
هناك من يستخدم أساليب رخيصة للحصول على أصوات، ولا يهمُّه معاناة الناس ومصير البلد. وقد إستغلَّ هؤلاء بكركي للتلطّي بها من أجل الهجوم على رئيس الجمهوريّة وحزب الله، ولكن لن يوصلهم مثل هذا الهجوم إلى تحقيق أهدافهم، لديهم مشكلة مع التمثيل القويِّ للتيّار ولرئيس الجمهوريّة، وقد أقصوه عن الحكومة في العام 2005 قبل تفاهمه مع حزب الله رغم تمثيله الشعبي الواسع في المجلس، لأنَّ مشكلتهم مع طروحاته، وليس بسبب علاقته بحزب الله. وهم، اليوم، يحاولون رمي التهم، ويتجاهلون أسباب الأزمة الناجمة عن تراكم السياسات الخاطئة على مدى عقود من الزمن”.
وحول العلاقة مع البطريرك الراعي، قال: “لا تقوم سياستنا على المقاطعة نتيجة الإختلاف في الرأي، نحن أهل الحوار والتلاقي والوصول إلى تفاهمات وطنية، فهذا هو الأساس لحلِّ المشاكل الداخليّة، وليس إستدعاء الدول الأخرى للتدخِّل، بل يمكن الإستعانة بها لتقديم العون والمساعدة، لا أن تحلَّ محلًّ اللبنانيّين.
وعندما يقول البطريرك أنَّنا نقاطعه منذ زيارته للقدس، فهذه شُبهة لديه أو ربَّما نسي؛ نحن كنّا معترضين على هذه الزيارة، لكن لم يكن ذلك سببًا لأيِّ قطيعة، فهناك عدَّة زيارات علنيّة حصلت بعد تلك الزيارة، ويُفترض بدوائر بكركي أن تذكِّره بها، وأُطلقت تصريحات علنيّة من وفود حزب الله التي زارت بكركي.
منهجنا هو التواصل والحوار وليس القطيعة، لدينا قوَّة المنطق والحجَّة، والأدلَّة على صوابيَّة طروحاتنا نقدِّمها لكلِّ مَن يريد الحوار لأجل الوصول إلى قواسم مشتركة”.
وحول إجتماعات لجنة الحوار بين حزب الله وبكركي، قال: “لم ينقطع التواصل بين أعضاء لجنة الإتِّصالات القائمة بإستمرار. وإجتماعات اللجنة كانت تتمُّ بين وقت وآخر، لكن، بسبب الأوضاع وظروف كورونا، إستُعيض عن اللقاءات المباشرة بالإتِّصالات الهاتفيّة. وقبل يومَين، كان هناك تواصل بين أعضاء اللجنة لدرس إمكانيّة معاودة اللقاءات المباشرة، مع أخذ الإحتياطات اللازمة من كورونا. تصلنا مراسلات ودعوات حول زيارة بكركي، هذا الأمر مرتبط بالهدف. حتى في الماضي، لم تكن الزيارات إلّا لسبب؛ إمّا مناسبة، أو وجود قضية ما. ويمكن، على ضوء نقاشات اللجنة، عقد لقاء مع البطريرك، وعندما يكون هناك داعي للقاء يحصل”.
وأشار إلى أنّه “بدل إشغال اللبنانيّين بطروحات لا مجال لتطبيقها، وتزيد الإنقسامات بينهم، وفتح سجالات لن تصل إلى نتيجة، وتقديم ما هو مفيد ويساعد في الحل، وفي الوقت نفسه، العالم مشغول بأمور أخرى، فالفرنسيّون أصحاب المبادرة في جوٍّ آخر. وحتى الأميركيّين مشغولين بأولويّاتهم، بينما دول أخرى تريد ترتيب وضعها بعد التطوُّرات الأخيرة، فعلينا عدم إنتظار الأمور الخارجيّة”.
وأضاف: “هناك مَن يُطلِق إتِّهامات ضدَّ حزب الله، ويحمِّله المسؤولية، وأنَّه ينتظر نتائج المفاوضات النوويّة، وقبلها نتائج الإنتخابات الأميركيّة، فهذا للتضليل وبيع بضاعة، إنتهى مفعولها، للخارج. ما يحصل عليه أصحاب هذا التضليل: ترويج من بعض القنوات الفضائيّة. هذا للتضليل!
المطلوب تفاهمات داخليّة للتصدّي للوضع الإقتصاديِّ الماليِّ، بدءًا من التفاهم على تشكيل الحكومة، وحزب الله، في هذا المجال، لا يتفرَّج، ومَن يتَّهمه بالتعطيل يبني موقفه على ثقافة الفرض التي كان يعتمدها غازي كنعان ورستم غزالي في الحقبة السوريّة، وحزب الله كان حينها في المعارضة، هؤلاء أنفسهم، الذين خضعوا آنذاك، يريدون من حزب الله أن يمارس السياسة نفسها مع حلفائه؛ بأن يضغط على التيّار الوطنيّ الحرّ. وكم مرَّة قلنا لهم بأنّ علاقتنا بحلفائنا قائمة على الإحترام المتبادل، ولا أحد يفرض على الآخر خلاف قناعاته، فالعلاقة مع التيّار الوطنيّ الحرّ مبنيّة على قواعد، وهي اليوم ممتازة، وأرست علاقات داخليّة لمصلحة لبنان، ونحن نناقش تطوير التفاهم. تحصل، أحيانًا، تباينات تتمُّ معالجتها بين الطرفين”.
وأضاف في موضوع الحكومة: “نحن قدَّمنا أفكارًا، وقيل لنا أنَّها مُنطلَق للحلِّ، بحيث لا يبدو أحد منكسرًا، لأنَّ هناك من يحاول أن يرمي المسؤولية عند طرف واحد هو رئيس الجمهوريّة، وهذا غير صحيح ويفتقر إلى الإنصاف، طرَح سماحة السيِّد مجموعة تفهمات منها:
تفهُّم التمسُّك بوزارة الداخليّة؛ وتفهُّم أن لا يكون هناك ثلث معطِّل لحزب واحد؛ وتفهُّم أن يكون العدد أكثر من 18، وعدم تفهُّم التمسُّك بعدد الـ18. لماذا ليست 20 أو 22؟ فلماذا هناك من يتمسَّك بهذا العدد؟
المطلوب، اليوم، الوصول إلى هذا النوع من التفهُّم من قبل كلِّ رئيس لمطالب الآخر ووجهة نظره، ويمكن للرئيس المكلَّف أن يستأنف خطواته وتقريب المسافات، لأنّ الإنتظار يكلِّف البلد كثيرًا”.
وحول التحقيق في المرفأ والإدعاء بأنّ الأمين العام لحزب الله، السيِّد حسن نصر الله، قال بإنتهاء التحقيق، قال: “للأسف، هناك بعض الزعماء السياسيّين، وبعض وسائل الإعلام، إمّا لا يقرأون ولا يسمعون الخطاب، أو يحرِّفون الكلام عن مواضعه للإفتراء وتضليل الرأي العام.
السيِّد حسن نصر الله تحدَّث، أكثر من مرة، عن إنتهاء التحقيق الفنّي والتقني الذي أجراه الجيش اللبنانيُّ وقوى الأمن الداخليِّ، بالتعاون مع ضبّاط فرنسيّين وأميركيّين ومن جنسيّات أخرى، وهذا غير التحقيق القضائيِّ الذي يُجريه المحقِّق العدليُّ والجيش وقوى الأمن، أعلنَا الإنتهاء من هذا التحقيق وتسليمه للمحقِّق العدليِّ، وهو التحقيق الذي يكشف أسباب الإنفجار، لأنّ المضلِّلين فبركوا أسبابًا لتوجيه الإتِّهام السياسيِّ والإستثمار على دماء الشهداء؛ مثل الحديث عن وجود صواريخ، ومخازن أسلحة، وما شابه.
هذا التحقيق الفنُّي أجرته القوى الأمنيّة، وترتبط نتائجه بأمرَين: وقف الإستغلال، والأهمُّ مصير التعويضات للمتضرِّرين. بعد خطاب سماحة السيِّد والحديث عن الرقم الماليِّ، جرى التأكيد لنا أنّ المبلغ المستحقَّ هو مليار و800 مليون دولار. هذا المبلغ هو للمتضرِّرين، ألا يؤدّي ذلك إلى معالجة مشكلة كبيرة للذين تهدَّمت بيوتهم وتضرَّرت وإحترقت سياراتهم؟ يصل الأمر، في البعض، إلى حرمان هؤلاء من حقِّهم، فقط لأجل التضليل السياسيِّ. إلى هذا الحدِّ، هناك ممَّن يمارس الإفتراء.
التحقيق الفنُّي، الذي إنتهى وسُلِّم للمحقِّق، هو غير التحقيق القضائيِّ الذي يُجريه المحقِّق العدليُّ، والذي طالبه سماحة السيِّد بالإستمرار في العمل لكشف كلِّ الملابسات، ومحاسبة المتورِّطين. ونحن مع إستمرار التحقيق، ومحاسبة المرتكبين أيًّا كانوا، ولسنا مع الحصانات على أحد”.
في موضوع ملفات الفساد، قال: “هناك من لا يتابع، ويسأل: أين المستندات؟ لقد تمَّ عرضهم على وسائل الإعلام، وسلَّمنا نسخًا للمجلس النيابيِّ، وتقدَّمنا بهم إلى القضاء، وهناك ملف، جرى الإدَّعاء به أمام قاضي التحقيق في بيروت، هو ملف الهدر في إنشاء محطّات الصرف الصحيِّ، وقيمته مليار ومئتان وخمسون مليون دولار، هذا المبلغ من أموال اللبنانيّين، وإستعادة جزء منه يخفِّف، في بعض الأمور الأخرى، عن الناس”.