الراعي: خير أن ينفجر الشعب ويبقى الوطن من أن ينفجر الوطن ولا يبقى الشعب!
ترأّس البطريرك الماروني الكاردينال، مار بشارة بطرس الراعي، قدّاس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطارنة: حنا علوان، بيتر كرم وأنطوان عوكر، أمين سر البطريرك الاب هادي ضو، القيم البطريركي العام الاب جان مارون قويق، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة، في حضور وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه، النائب فريد هيكل الخازن، عائلة المرحوم شكري الراعي شقيق البطريرك الراعي، وعدد من المؤمنين إلتزموا الإجراءات الوقائية.
بعد الإنجيل المقدَّس، ألقى الراعي عظة بعنوان “فرجع إلى نفسه”، ومما جاء فيها أنّه قال: “ليس اللبنانيون في أزمة نظام، بل في أزمة إنتماء إلى جوهر الفكرة اللبنانية. لو وقعت الأزمات بسبب تطبيق الدستور لقلنا إنّها أزمة نظام، لكنّها وقعت بسبب عصيان النظام وصولًا إلى إمتلاك الدولة والعبث بالوطن والمواطنين. إنّ ما يجري على صعيد تأليف الحكومة لأكبر دليل على ذلك، ولا علاقة له بالمواد الدستورية، خصوصًا المادتين 53 و64 المتعلّقتَين بطريقة التكليف والتشكيل والتوقيع، بل العلاقة بهوية لبنان الواحد والموحَّد والحيادي والديمقراطي والميثاقي وذي السيادة في الداخل وتجاه الخارج، وبالثقة المتبادلة التي هي روح الميثاق الوطني والتعاون في الحكم والإدارة. وإلّا لمَ هذا التأخير المتعمّد في تأليف الحكومة؟”
وأضاف: “لقد كّنا في مرحلة شروط، وشروط مضادة، فصرنا في مرحلة تحدّيات، وتحدّيات قاتلة تودي بالبلاد والشعب والكيان. لقد ترك لنا الآباء والأجداد هذه الأمّة اللبنانية، المترامية على شاطئ المتوسّط والمطلّة على العمق العربي، أمانة للتواصل الثقافي والحضاري والإقتصادي بين شرق وغرب. الشعب ونحن لن ندع أحدًا يستولي عليها عنوة ويشوّهها. لبنان بيت اللقاء يُدعى، لا بيت التفرقة. فلأنّ الجماعة السياسية والسلطة عاجزة عن معالجة أزماتنا الداخلية المؤدّية إلى الموت، دعَونا إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان نهيّئُه، نحن اللبنانيين، كاشفين عللنا المتأتّية من عدم تطبيق وثيقة الوفاق الوطني بكامل نصّها وبروحها، ومن مخالفات الدستور بخلق أعراف وعادات، سببها ثغرات فيه بحاجة إلى نقاش، ومن ميثاق العيش المشترك الذي هو أساسس الثقة الوطنية وشرعية السلطة، كما تنص مقدّمة الدستور (ي)”.
وقال: “تصالحوا أيّها المسؤولون مع السياسة، ومع الشعب الذي بدّدتم ماله وآماله، ورميتموه في حالة الفقر والجوع والبطالة. وهي حالة لا دين لها، ولا طائفة، ولا حزب، ولا منطقة، ولم يعد له سوى الشارع. فنزل يطالب بحقوقه، التي تستحقّ أن يدافع عنها وأن توضع في رأس معايير تأليف الحكومة. كيف لا يثور هذا الشعب وقد أخذ سعر صرف الدولار الواحد يتجاوز الـ10000 ليرة لبنانية بين ليلة وضحاها؟ كيف لا يثور هذا الشعب وقد هبط الحد الأدنى للأجور إلى 70 دولارا؟ كيف لا يثور هذا الشعب وقد فرغ جيبه من المال، ولا يستطيع شراء خبزه والمواد الغذائية والدواء، وتأمين التعليم والطبابة؟ كنّا نتطلّع إلى أن يصبح اللبنانيون متساوين في البحبوحة، فإذا بالسلطة الفاشلة تساوي بينهم في الفقر. كيف تعيش مؤسّسات تتعثّر وتقفل، وكيف يعيش موظفون يسرّحون، ورواتب تُدفع محسومة أو لا تُدفع. وبعد، هناك من يتساءل لماذا ينفجر الشعب؟ من وراءه؟! فخير أن ينفجر الشعب ويبقى الوطن من أن ينفجر الوطن ولا يبقى الشعب! لكنّنا باقون، والشعب أقوى من المعتدين على الوطن، مهما عظمت وسائلهم!”
وختم الراعي داعيًا: “يا رب، إليك نكل وطننا، وهو أرض مقدسة، ثقافتها المحبة والتآخي والإنفتاح، لا ثقافة العداوة والحديد والنار. نلتمس منك بشفاعة قدّيسيه وسيّدة لبنان، حمايته وحماية شعبه، لكي يستمر في رفع المجد والتسبيح إليك، أيها الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.