الآلية القانونية للتمديد للواء عباس إبراهيم في رئاسة الأمن العام

الآلية القانونية للتمديد للواء عباس إبراهيم في رئاسة الأمن العام

يمكن أن يجري التمديد للواء عباس إبراهيم في رئاسة الأمن العام إما عبر قانون يصدر عن مجلس النواب كما جرى بالسابق عندما أقرّ البرلمان القانون الرَّقْم 463 تاريخ 8/12/1995 الذي عدّل سنّ التسريح الحكمي من الخدمة لرتبة عماد في الجيش؛ وإما يجري التمديد أيضاً بواسطة مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وإما بقرار إداري صادر عن رئيس الحكومة ووزير الداخلية، أو حتى بقرار إداري فردي صادر عن وزير الداخلية والبلديات بصفته وزير الوصاية على المديرية العامة للأمن العام.

كما أن مشروع قانون التمديد للواء إبراهيم وغيره سلّمت إلى مجلس النواب منذ مدّة غير قصيرة، ولكن المجلس لم يعقد جلسة تشريعية منذ تسلّمه المشروع، وكان مدرجاً على جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة التي كانت مقرّرة قبل أيام، لكنها لم تنعقد بسبب تعذّر تأمين نصابها، حيث أصرّ المقاطعون على أنّ المجلس هو هيئة ناخبة لرئيس الدولة، لا تشريعية، وجدول أعمال الجلسة كان غير ضروري.

إلا أنّه غفل على المقاطعين أنّ مجلس النواب له بكل تأكيد الحق في الاجتماع والتشريع، بالرغم من وجود حالة شغور رئاسي، وانعقاد جلسات لانتخاب رئيس جمهورية جديد؛ فالمادة 75 من الدستور التي تنص على أن «المجلس النيابي الملتئم لانتخاب رئيس جمهورية يعدّ هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية، فيتوجّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس للجمهورية، دون مناقشة أو أي عمل آخر»، تعني أنه عند انعقاد جلسات الانتخاب فقط، يتحوّل البرلمان إلى هيئة انتخابية ويمتنع عليه القيام بأي عمل تشريعي أو أي عمل آخر. ومن ثمّ، فإنّ بإمكان المجلس عندما لا ينعقد لانتخاب الرئيس، أن يمارس عمله التشريعي ضمن حدود ضيّقة في المسائل والأمور الملحّة، كمسألة التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، أو التمديد حصراً للمدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم. لا سيما أن تفسير كلمة الالتئام بمعنى الدورة الاستثنائية المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، فيه تهديد خطير لمصالح الدولة، خصوصاً عندما تطول مدّة الشغور الرئاسي، وفيه أيضاً تجاوز للنص الدستوري، الذي لا ينص إطلاقاً على عدم جواز التشريع أثناء فترة الشغور.

كما أنّ للحكومة أيضاً ولو كانت مستقيلة، أن تمدّد لقادة الأجهزة الأمنية، إذ أنه يتوجب على كل حكومة أن تحافظ على استمرارية المؤسسات الدستورية والأجهزة الأمنية وتوازنها، ولكن على أن يصار إلى حصر إدارة الحكومة المستقيلة لشؤون الدولة في المسائل الضرورية والملحّة التي لا تحتمل التأجيل.

أما في حال لم يصار إلى التمديد للواء عباس إبراهيم في رئاسة المديرية العامة للأمن العام، بمُوجب قانون يصدر في مجلس النواب، ولا حتى من خلال مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، فإنّ المخرج القانوني الوحيد لذلك يكمن باستخدام نفس الصيغة القانونية التي جرى اعتمادها عندما تمّ التمديد لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي مرات متتالية، وذلك بقرار فردي صادر عن وزير الدفاع الأسبق فايز غصن، ثم عن وزير الدفاع سمير مقبل لاحقاً، وذلك لتجنّب حدوث فراغ على رأس قيادة الجيش، وهو المركز الذي يكون دوماً موضع خلاف بين القادة السياسيين، حيث جرت العودة حينها إلى قانون الدفاع الوطني، لا سيما المادة 55 منه، التي تسمح بتأجيل تسريح المتطوّع ولو بلغ السن القانونية، وذلك في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارئ أو أثناء تكليف الجيش بالمحافظة على الأمن، حيث تنص المادة 55 من قانون الدفاع الوطني، والمتعلّقة حصراً بتأجيل التسريح على ما يلي: «يؤجل تسريح المتطوع ولو بلغ السن القانونية في الحالات التالية: 1- إذا كان في وضع اعتلال لم يبت به، وفي هذه الحالة يبقى بصفته السابقة حتى صدور مقررات اللجنة الصحية. 2- بناء على قرار وزير الدفاع الوطني المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارئ أو أثناء تكليف الجيش بالمحافظة على الأمن»، فهذه المادة يمكن أن تنسحب أيضاً على قادة الأجهزة الأمنية الأخرى، لا سيما أنها تسري على كل من يكون في الخدمة الفعلية بعد استدعائه من الاحتياط، بموجب المادة 144 من قانون الدفاع الوطني التي تنص على أن «يخضع الاحتياطيون المودعون وطيلة مدة استدعائهم لجميع القوانين والأنظمة والتعليمات المطبقة على المتطوعين»، أي بما في ذلك قانون الدفاع الوطني، لا سيما أن اللواء إبراهيم يمكن استدعاؤه من الاحتياط، لأنه لم يستنفذ بعد مهلة الخمس سنوات في هذا الاحتياط، المذكورة في المادة الثانية من مرسوم نظام الاحتياط لقوى الأمن الداخلي الرقم1071 تاريخ 02/04/1991، والمطبٌقة على ضبٌاط الأمن العام بموجب المادة 24 من قانون الأمن العام، وذلك بسبب قانون تعليق المهل المتعلق بجائحة كورونا؛ فضلاً على أنه عندما تمرّ البلاد في ظروف استثنائية على الصُعد كافة، يمكن الاستناد إلى نظرية الظروف الاستثنائية للتمديد للمدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم لمدة سنتين أو ثلاث، لأن الاجتهاد الإداري المستقرٌ يعتبر بأن الإدارة تتمتع في هذه الظروف بصلاحيات واسعة وإن كانت لا تستند إلى نص قانوني صريح، حيث تحلٌ محل الشرعية العادية شرعية استثنائية تستفيد الإدارة في ظلها من تمدٌد وتوسٌع في صلاحياتها؛ وهكذا يمكن أن يصدر قرار التمديد للواء إبراهيم إما بناءً على قرار إداري من رئيس الحكومة ووزير الداخلية والبلديات، أو حتى حصراً من وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، بصفته وزير الوصاية على المديرية العامة للأمن العام، لا سيما أنه يجب أن يصار إلى المحافظة على الأمن في ظل الأوضاع القاهرة والاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، كما يتوجب الأخذ بعين الاعتبار أن المصلحة الوطنية العليا ودقة المرحلة على الصعيدين الوطني والإقليمي، كما ضرورة الاستمرار في تدعيم ركائز الدولة لمواجهة التحديات المستقبلية، تستدعي التمديد للواء إبراهيم في رئاسة الأمن العام، نظراً لأنه يُشكّل نقطة تلاقٍ بين المُتخاصمين، ويتمتع بعلاقة مُتميزة تتجاوز الساحة اللبنانية إلى ما يتعداها إقليمياً ودولياً، ولأنه رجل المهمات الصعبة في الأمن والسياسة ومُختلف القضايا، ورجل الدولة العابر لكل الطوائف والمذاهب، ولهذا يجب المسارعة بالتمديد له في أسرع وقت ممكن، قبل أن يصار إلى إحالته إلى التقاعد في 3 آذار المقبل.

المحامي د. ابراهيم العرب

Spread the love

MSK

اترك تعليقاً