جائزة هاني فحص للحوار والتعدّدية جائزة صنّاع السلام
أقيم في جامعة القديس يوسف – احتفال تقديم الدورة السادسة من جائزة أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام وقد منحت جائزة «صناع السلام» للأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، وجائزة «الدفاع عن التعددية» مناصفة بين جمعية مركز برج اللقلق المجتمعي في القدس والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي.
وسلم كل من رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق ميشال سليمان ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة وعضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لحركة فتح عزام الأحمد ممثلا السلطة الوطنية ورئيس جائزة هاني فحص للحوار والتعددية مصطفى فحص جائزة صناع السلام الى الأمين عمرو موسى، كما سلم الوزير اللبناني السابق ابراهيم شمس الدين جائزة جمعية برج اللقلق المقدسية التي حال الاحتلال دون حضورها الحفل في بيروت الى الأحمد، والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي الى الدكتور محمد علي مقلد.
والقى موسى كلمة بالمناسبة اعرب فيها عن شكره وتقديره لمنحه جائزة صناع السلام هذا العام، مؤكدا اعتزازه بالصداقة والشراكة في عدد من الأنشطة العربية التي كان آخرها مؤسسة ياسر عرفات التي شرف بأن يرأس مجلس أمنائها الذي كان من بينهم هاني فحص أكثرهم نشاطا وتعبئة ونصحا وودا وبشاشة.
كما اثنى موسى على مناقبية المؤسسة والجائزة التي تكرس السلام والتعددية على قاعدة ان الخلاف بالرأي لا يفسد للود قضية وان على الجميع التحرك لبناء السلام بعيدا عن العنف والصدام.
أقنوما قداسة
في فكر هاني فحص
وألقى الدكتور محمد علي مقلد كلمة فقال:
المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يعني حبيب صادق. أنا ورفاق لي عملنا تحت عباءته عشرات السنين. لم نكن سوى مساعدين. ما أحييت أمسية ثقافية على امتداد ستين عاماً إلا وكانت له يد في تنظيمها. بإسمكم أوجه التحية إليه في شيخوخته الهانئة.
دعاني عام 2012 إلى منصة المجلس لأشارك في سلسلة كان ينظمها تحت عنوان، تجربتي في ساعة. تواضع صديقي الرائع السيد هاني فحص ووافق على أن يقدم الندوة للحاضرين. بعدما استمع إلى النص الذي تلوته، نصحني بتطويره وتحويله إلى كتاب. وها أنا التزمت بنصيحته ونفذت وصيته ودفعت إلى المطبعة كتاباً يحمل عنوان، اليسار الجميل المستحيل. أهداني كلمته في تلك المناسبة لتكون بمثابة مقدمة للكتاب.
وستقرأون على صفحته الأولى: إلى روح السيد هاني فحص في عليائها أهدي هذا الكتاب.
وعلى مفترق فكري بين حرية العقل وتجارة الطقوس، كان ملاذي الآمن اثنين : ديكارت أقنعني بتعديل صيغة السؤال عن الحقيقة، قال : لنقل إن الله موجود، وأنه خلق الكون وقوانينه، لنشغل عقولنا الحرة إذن، لا بالسؤال عن وجوده، بل بالعمل على اكتشاف تلك القوانين.
كنا نلتقي غداة كل هزيمة، أقوى عزيمة وأشد بأساً وأرسخ إيماناً بالقضية وبالأفكار . إلى أن سألته ذات يوم، وقد تعددت الهزائم، وكنت أقدم له نسخة من كتابي، اغتيال الدولة : ترانا نتشابه كثيراً يا سيد، فلماذا لا نؤسس معاً حزباً واحدًا، وكان جوابه السريع بكلمة: حزب الدولة. من أجل هذا الحزب المنشود راح، بشجاعة، يفضح التعاليم الحوزوية التي تحلل نهب مال الدولة. فعاملته بيئته كأنه المتنبي في قوله: أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود.
أنت، يا سيد، أنت مولانا في الدين ومولانا أيضاً في العلمنة والدولة المدنية، إذ لم تعد فكرة التوحيد عندك حكراً على فقه الدين بل عممتها رغم أنف العمائم، على فقه السياسة، حين جعلت وحدة الوطن من المقدسات.
إمامُ الينابيع
وألقى الاديب والشاعر الاستاذ شوقي بزيع كلمة قال فيها:
على المرء أن يمتلكً رشاقةَ الحواة ومهارةَ البلاغيينَ وكتابِ التوقيعات لكي يختزلَ حياةَ السيد هاني فحص وهوياتِهِ وأدوارَهُ بدقائقَ معدودة، ومع أن الإشتغالَ على اللغةِ كان واحداً من المهن التي أوليتُها عنايتي القصوى، إلا أنني تساءلتُ وأنا أحضّرُ لهذه اللحظات المربكة عن أي هاني فحص أكتب، أعن رجل الدينِ أم رجل الدنيا، أعن المناضل السياديّ المأخوذِ بنهائيةِ الكيان اللبناني، أم عن المقاوم المفتونِ بفلسطين، أعن الكاتب السياسيّ أم كاتبِ المقالة والسيرة، أعن المفكرِ المستنير أم عن الناثر المطعّمِ بروح الشعر؟ ثم تساءلت، كيف أمكن للسيدِ أن ينجز كلَّ ذلك في حياةٍ واحدة، ودون أن يفرط في الوقت ذاته بحبّ أم حسن، عشقِه الأبديّ الذي أثمر ابنتينِ اثنتينِ وثلاثةَ أبناء، يتقاسمون الرقةَ والصلابةَ كلٌّ على قدْر حاجتِه .
ثم ماذا تركتَ لي يا سيدُ لكي أتممَ به معناك أو أملأَ به مكانَك الشاغر؟ وحيث كنتُ أظن أن الثقَلَ الرمزيَّ لعمامتك لا بد أن يجعلك بمنأىً عما يتقاسمُه الدنيويونَ من غنائم، إلا أنك نافستَ الأبيقوريينَ على مباهج الحياة، والصاغةَ على تلميع الأمل، والعشاقَ على صوت فيروز، أما الشعراء فلم يذهبوا الى مكانٍ إلا ووجدوك قد سبقتَهم إليه.
إنّ لبنانُ الذي ارتضيتَه وطنَك النهائيّ وموئلَ أحلامك، فلكم آلمك أن يتّخذ زعماؤه من طوائفهِ المتنوعةِ خنادقَ ومتاريس للعنف الدموي، وأن يحولوها عند الحاجةِ الى حصالاتٍ لتكديس الثروات، أو دشمٍ محصنةٍ للإحتماء من العدالة، أو صكوكٍ مقدسةٍ لتأبيد الطغيان . ولأنكَ كنت على الدوام منسجماً مع نفسك وقناعاتك الراسخة، فلم يُرضك وأنت المقاومُ الشرس، أن يصبح المقدسُ رافعةً للإهتراء، والدمُ المراقُ حائطاً في وجه التغيير, ولا استطعتَ أن تفهم كيف تستقيمُ المعادلةُ بيت تحرير الأرض واستعبادِ الإنسان.
ثم قال:
كان يأتي صباحاً وفي يده طرحة العرس،
ثم يقلم أشجار عينيه
حتى يعرش في الشمس كالأنبياء
وكان يراقص شتلة تبغٍ
ويجذبها نحو كفيه لكنها لا تصل،
فيقطر حزناً وتقطر سحراً،
ويمتد، تمتد، حتى يلامسها في السماءْ.