46 دولة فقيرة تشكّك في جدوى نظام التمويل الدولي وتدعو إلى مراجعة كاملة للنموذج الاقتصادي
شككت الدول الـ46 الأفقر في العالم بنظام التمويل الدولي والمساعدات متعددة الأطراف ورأت فيه أداة للهيمنة، داعية إلى مراجعة كاملة للنموذج الاقتصادي الموروث عن اتفاقية «بريتون وودز» المبرمة عام 1944 التي أسست صندوق النقد الدولي. ورأى الكثير من قادة الدول أن النظام الذي يحكم المساعدات المقدمة من الشمال إلى الجنوب هو المسؤول عن إبقائها في حالة فقر. لقد تساءل الكثيرون تساؤلات عدة، حيال نظام التمويل الدولي والمساعدات متعددة الأطراف الموروث عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على اعتبار أنه غير ملائم بالنسبة للبلدان الفقيرة وأداة للهيمنة. ودعت الدول الـ46 الأفقر في العالم، التي تضم 33 بلدا أفريقيا إلى مراجعة كاملة للنموذج الاقتصادي الموروث عن اتفاقية «بريتون وودز» المبرمة العام 1944 التي أسست صندوق النقد الدولي. وبفضل تصنيفها في فئة أقل البلدان نموا، يفترض أن تستفيد هذه الدول من امتيازات تجارية وتسهيلات في الحصول على المساعدات، وغير ذلك من أشكال التمويل. في العام 1971 كانت هذه الفئة تضم 24 بلدا، لكن عدد الدول المنضوية في هذه الفئة تضاعف تقريبا الآن.
وباتت هذه الدول حاليا أولى ضحايا الاحترار المناخي، بينما ترزح تحت وطأة التضخم المرتبط بأسعار المواد الغذائية ومصادر الطاقة الناجم عن حرب أوكرانيا، فيما تثقل كاهلها الديون التي تكافح حتى لسداد الفوائد المترتبة عليها. ويرى الكثير من قادة الدول والحكومات الذين حضروا في مؤتمر الدوحة المنعقد برعاية الأمم المتحدة، أن النظام الذي يحكم المساعدات المقدمة من الشمال إلى الجنوب هو المسؤول عن إبقائها في حالة فقر. وقال رئيس جزر سيشيل وافيل رامكالاوان: «حان الوقت لأن تتوقف 12 منظمة دولية، مثل منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وبنوك التنمية متعددة الأطراف، عن استخدام إجمالي الناتج المحلي للفرد كمقياس وحيد للتنمية»، علما أن بلاده كانت من بين عدد قليل من أقل البلدان نموا التي نجحت في الخروج من هذه الفئة.
«صمّمه الأغنياء من أجل الأغنياء»
وأضاف رئيس الدولة الصغيرة أن «مقاسا واحدا لا يناسب الجميع! علينا إدراك احتياجات الدول التي تعاني من نقاط ضعف خاصة بها». بدوره، اتهم رئيس تيمور الشرقية جوزيه راموس هورتا بلدان الشمال بتحميل الجنوب مسؤولية خياراتها الفاشلة. وقال: «يميل شركاؤنا لتحميل الشريك المتلقي المسؤولية الكاملة عن أي فشل، وتجنب إعادة النظر في برامجهم للمساعدات التي قد تكون بالتأكيد ساهمت في الإخفاقات». وطرحت أزمة كوفيد كمثال مرات عدة، إذ أن أكثر البلدان فقرا التي أثقل الوباء كاهلها فور انتشاره حُرمت من الوصول إلى اللقاحات في البداية، قبل أن تضطر للاستدانة مجددا للسيطرة على الوضع. وفي خطاب ألقاه لدى انطلاق أعمال المؤتمر، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن «النظام المالي العالمي منحاز بشدة، صممته بلدان غنية ليصب في مصلحة البلدان الغنية، ويتيح التعامل مع أقل البلدان نموا بشكل غير منصف». وتوجه أصابع الاتهام خصوصا إلى المؤسسات الكبرى، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إذ تتهم هذه الهيئات بفرض إجراءات تقشف وتشدد في الموازنة، بناء على منطق لا يسع الدول الفقيرة إلا الإذعان له. وكشف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نهاية شباط/فبراير أن 52 دولة إما تعاني من أزمة ديون أو باتت على وشك التخلف عن السداد.
«تخفيف عبء الديون وإعادة هيكلتها»
من هنا جاءت مداخلة نائبة رئيس وزراء ليسوتو نثومينغ ماجارا، التي أكدت أنه «أصبح عبء الديون والفوائد يشكلان تحديا متزايدا للبلدان الأقل نموا. لذلك، ثمة حاجة لتخفيف عبء الديون بشكل عاجل وإعادة هيكلتها وإلغائها». وباتت الصين تتصدر قائمة الدول المقرضة، لكن حجم الديون المستحقة لها ما زالت أقل بكثير من تلك المستحقة لمؤسسات متعددة الأطراف وجهات خاصة. وبموازاة التدخلات الرسمية، يناقش عدد من الناشطين في المجتمع المدني القضية ذاتها في الدوحة. ويؤكد خبير الاقتصاد الكيني والمدير التنفيذي لمنظمة «أفروداد» غير الحكومية جيسن روزاريو براغانزا لوكالة الأنباء الفرنسية، أن النظام المالي «يدعم حلولا مدفوعة من الأسواق لمشاكل في السياسة العامة، وعلّمنا التاريخ أن ذلك غير مجد». وقالت مارينا دورانو من اتحاد «يو إن آي» النقابي الدولي: «علينا محاولة إعادة الأهمية إلى تعددية الأطراف.. نعرف جميعا إلى أي حد الوضع غير منصف». أما الناشطة الفيليبينية المتخصصة في الديون ليدي ناكبيل، فنددت من جانبها بأولئك الذين «يستخدمون الإقراض وتخفيف الديون من أجل فرض سياسات» معينة.
وبالنسبة لها لم يعد الإصلاح ممكنا، بل يجب أن يعاد تصميم وبناء كل شيء. وقالت: «حان الوقت لتفكيك مؤسسات بريتون وودز».