المخاطر تتضاعف في مؤشري الغلاء والأمن الغذائي
لا يحتاج المقيمون في لبنان إلى تحديث الاحصاءات لاكتشاف عمق التدهور المعيشي الذي تضاعفتْ وتيرةُ توغله وسرعتها بشكل مثير منذ بداية السنة، بعدما لحقت منظومة الاستهلاك بالصعود غير المسبوق لسعر الدولار في بلد يغطي نحو 80 في المئة من الاستهلاك وحاجات الحياة عبر الاستيراد، وبما يشمل كامل عناصر مؤشر السلع الغذائية، باستثناءٍ نسبي للخبز المدعوم قمحه فقط بقرض من البنك الدولي، وأكلاف الخدمات الحكومية.
ورغم التهدئة «القسرية» التي فرضها التدخل الأحدث للبنك المركزي في أسواق المبادلات النقدية، تظل الترقبات قائمةً إلى حد الجزم بتسجيل رقم قياسي وغير مسبوق لارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك بنهاية الفصل الأول من 2023، وبحصيلة من ثلاثة أرقام تبعاً للانهيارات المريعة التي أصابت سعر صرف الليرة والتقلص الحاد في قيمتها إزاء الدولار من نحو 43 ألف ليرة إلى نحو 145 الفاً، أي ما يعكس ارتفاعاً يناهز 3 أضعاف في 3 أشهر للعملة الخضراء.
وبالفعل، تُظْهِر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي إرتفاعاً شهريّاً بنسبة 25.52 في المئة في مؤشِّر أسعار الإستهلاك في لبنان خلال شهر فبراير 2023، مقارنةً بنسبة 8.43 في المئة في الشهر الذي سبقه. علماً أن متوسط سعر الدولار، والذي سيقرر فعلياً النسبة القرب لمؤشر أسعار الاستهلاك، بلغ نحو 85 ألف ليرة في هذا الشهر، أي بزيادة قاربت مئة في المئة، لتتضاعف لاحقاً الى نحو 237 في المئة، قبل أن يلجمها البنك المركزي «موقتا» عند حدود 110 آلاف ليرة لكل دولار، لتصبح نسبة الارتفاع الحالية نحو 156 في المئة.
وتتطابق هذه المعطيات مع تحليل الأمن الغذائي للبنان الصادر حديثاً عن برنامج الغذاء العالمي للفترة الممتدّة بين شهري ايلول وكانون الاول 2022، أي قبل الموجات الأعلى لارتفاع الدولار هذا العام، والذي يوثّق انعدام الأمن الغذائي لدى 37 في المئة من سكان البلد (مواطنون ونازحون)، وأن نسبة 33 في المئة من الاجمالي، أي نحو 1.29 مليون من اللبنانيّين و46 في المئة أي نحو 700 ألف فرد من اللاجئين السوريّين يواجهون مصاعب في أمنهم الغذائي. كما بيّن الاستطلاع الدولي أنّ أسعار المواد الغذائيّة قد زادت بنسبة 2000 في المئة خلال الفترة الممتدّة بين شهر تشرين الاول 2019 وشهر كانون الاول 2022.
أما على صعيدٍ سنويٍّ، فقد سَجَّلَ مؤشِّر تضخُّم الأسعار زيادةً بلغت نسبتها 189.67 في المئة، لتقترب معه الحصيلة التراكمية لتداعيات انفجار الأزمتين المالية والنقدية إلى نحو 3 آلاف في المئة، بعدما سجلت 2784 في المئة حتى الشهر الثاني من 2023. علماً أن متوسّط الزيادة السنويّة في مؤشّر تضخّم الأسعار بلغ 156 في المئة لغاية شهر شباط 2023.
وجاء الارتفاع السنويّ في مؤشّر تضخّم الأسعار نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادات وازنة في أسعارها. وبالتفاصيل، فقد إرتفعت أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة بنسبة 260 في المئة، وهي تحوز الوزن الأعلى للتثقيل في المؤشر المجمع بنسبة 20 في المئة. ورافقتْها زيادة في أسعار النقل بنسبة 196.76 في المئة، وبنسبة تثقيل تبلغ 13.1 في المئة، وزيادة في أسعار المسكن الشامل لأكلاف الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 207 في المئة، وبنسبة تثقيل 11.8 في المئة، بتأثير إضافي من رفع تعرفة الكهرباء العامة الى 27 سنتاً بالحد الأدنى لكل «كيلواط» ساعة.