زمكحل لـ «الشرق»: القطاع العام يشلّ البلد ويزيد الأكلاف على القطاعات العامة ومن يقود الحرب الباردة الاقتصادية اليوم هم أمراء الحروب
كتبت ريتا شمعون:
إذا أطلقنا على موظفي القطاع العام في لبنان صفة وهميون فلأنهم عاجزين عنى مراكز عملهم وغير قادرين عن تأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيش لعائلاتهم.
وفيما الدولة اللبناينة غير قادرة على تحمل النقد دون اتخاذ موقف دفاعي فلأنها تركز على زيادة الرواتب لموظفي القطاع العام أو على تقديم مساعدة إجتماعية أو صرف بدلات إنتاجية تتراوح ما بين 100 الى 300 دولار شهريا الى جانب منح بدلات نقل تتناسب مع سعر مادة البنزين بينما هي تستعين بالبنك المركزي بالموافقة حينا وبتحمل جزء من الكلفة أحيانا، وهو أمر بغاية الأهمية لإعادة العمل الى الإدارات العامة والمؤسسات بطريقة مستدامةحيث تفوق تكلفة زيادة أجور العاملين في القطاع العام خدمة الدين اللبناني إذ يعمل ما يقارب 332 ألف موظف، 92 ألفا في الأسلاك المدنية والجسم التعليمي والقضائي والوزارات والمؤسسات، 120 ألفا في الأسلاك العسكرية والأمنية و120 ألف متقاعد .
وعليه، فشل دواء صندوق النقد الدولي وفشلت نصائحه بإعادة هيكلة القطاع العام، فالدولة اللبنانية أخفقت في أخذ الإصلاحات اللازمة بجدّية وبجانب ذلك رأينا توظيفات جديدة غير قانونية بمؤسسات الدولة في هذا الوقت الذي يتسارع الإنهيار الإقتصادي بشكل مخيف مع أزمة سيولة حادة وقيود مصرفية مشددة .
وعلى وقع التحركات الإحتجاجية والقنابل المسيلة للدموع على المعتصمين المتقاعدين العسكريين التي رافقت إنعقاد جلسة مجلس الوزراء بالأمس، وعلى قاعدة الترقيع; أقرّت الحكومة زيادة رواتب موظفي القطاع العام 4 أضعاف واعتماد مبلغ 450 ألف ليرة كبدل للنقل شرط الحضور 18 يوما كحد أقصى في الشهر، ورفعت الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص الى 9 ملايين ليرة وبدل النقل اليومي الى 250 ألف ليرة.
رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ الدكتور فؤاد زمكحل رأى في حديث لجريدة «الشرق» أن الإضراب المفتوح لموظفي القطاع العام في لبنان تحوّل الى امر واقع للأسف مفروض علينا، فإستمرار الإضراب يشل البلد ويزيد الأكلاف على القطاعات المنتجة باعتبار أن تعطيل المرافق العامة يكلّف الخزينة خسارة موارد مهمة في وقت هي بأمس الحاجة لتأمين واردات وتمويل الحد الأدنى من الخدمات العامة كذلك الإضراب يشل التبادل التجاري، يشل العمل القضائي وينعكس حكما عرقلة في بعض شؤون القطاع الخاص المرتبطة بالإدارة.
وأضاف زمكحل: الإضراب يفتح الباب أمام نشوء قطاعات عشوائية في دولة لا يوجد فيها قانون لضبطها او لضبط تهريب الأموال ومنع عمليات تبييض الأموال التي تستتخدم لإخفاء مصدر الأرصدة المالية التي يمكن ان تؤثر على أداء مجمل مكونات الإقتصاد اللبناني فضلا عن تنامي الدويلات على حساب الدولة والتي تضعف دور مؤسساتها .
زمكحل يبدو متفهما لللمعاناة التي يعيشها موظفو القطاع العام ، الذين يطالبون بتصحيح أجورهم التي خسرت ما يناهز 95% من قيمتها الشرائية بعد الإنهيار الكبير للعملة اللبنانية بالإضافة الى تكاليف المعيشة المرتفعة ورواتب كثر منهم لا تكفي للذهاب الى عملهم يوميا، والإضراب على أحقيته يضيف زمكحل قائلاّ: هناك أمر لا يمكن أن نعتبره صدفة عندما نرى قسما من موظفي القطاع العام يداوم في مكاتبه ويستغل حاجة الناس لإنجاز بعض المعاملات بالدولار الفريش فكان ذلك قد نشجع الموظف على أخذ الرشوة ويساهم في نشرها.
ورأى أن انهيار مؤسسات وإدارات القطاع العام تؤثر بشكل سلبي محذرا من الإستراتيجية الممنهجة والمبرمجة لهدم ما تبقى من مؤسسات الدولة لكن زمكحل يعتقد أنه إذا استمر الإضراب سيؤدي الى فوضى كارثية أصلا نحن نعيشها اليوم كقطاع خاص وقطاع عام مشيرا الى ان القطاع الخاص كان دائما مستقلا يجاهد ويستثمر، وكل مجموعة إقتصادية توظف طاقاتها وتتقدم على نحو مضطرد في كل القطاعات والمجالات المنتجة للحفاظ على دورها في المنطقة والعالم .
في المحصلة، كل القطاعات الإقتصادية تدفع ثمن الأزمة الإقتصادية والنقدية والمالية الراهنة، ونعلم جيدا أنه سيكون من المستحيل إعادة بناء لبنان وإقتصاد لبنان بأمراء الحرب الأهلية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم اليوم يقودون حربا اقتصادية باردة.
أما الخسائر المباشرة من جراء الإضراب المفتوح كبيرة ويرتب تكاليف كبيرة على الاقتصاد، بالتوازي نرى الدولة تتراجع يوما بعد يوم وتهدر الأموال بالمليارات.
وأضاف قائلا: إن أزمتنا الأساسية هي أزمة ثقة بامتياز والمشاكل التي نعاني منها تضرب ما تبقى من الإقتصاد اللبناني .
وختم زمكحل : عمليا الضريبة في لبنان تراجعية في ظل الأزمة التي يعيشها، فمع فقدان الأسر لمدخراتها ولقدراتها الشرائية لم يتبق للأسر أي شيء للحصول على الخدمات الأساسية، لذا من الطبيعي أن تكون الجهة التي تؤمن هذا الغطاء للمواطنين هي الدولة لكن كل هذه الأمور لا يمكن أن تؤمنها هذه الدولة بسبب الشح في مواردها، مؤكدا أن أي تعديل للنظام الضريبي في لبنان بالشكل المناسب ينبغي قيام دولة وتعزيز قيام النزاهة والمواطنة الضريبية وهذا لن ينجح بحسب رأيه في ظل دولة عاجزة وغير قادرة على إيجاد سياسات إجتماعية – إقتصادية فعالة.