السودان: المعارك مستمرّة لليوم الخامس والآلاف يفرّون من الخرطوم وقتال عنيف في محيط القصر الرئاسي.. وقوات الدعم السريع تتّهم الجيش بـ«خرق» الهدنة
يفر آلاف المدنيين من الخرطوم تحت القصف فيما خلف القتال المستمر لليوم الخامس على التوالي بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي قرابة 200 قتيل في السودان.
وسيرًا أو في مركبات، على الطرق التي تغطيها الجثث وهياكل المدرعات المتفحمة، عبر آلاف السودانيين وسط أزيز الرصاص ودوي القذائف خلال التراشق بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يقود البلاد منذ انقلابهما المشترك في 2021.
لم يعد البقاء ممكنًا في الخرطوم منذ السبت مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية – الكهرباء والمياه لا تعودان سوى لبضع ساعات في بعض الأماكن – والرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران. وتنهمر أحيانًا من السماء صواريخ لتحول مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.
وأحصت الأمم المتحدة منذ مساء الاثنين ما يقرب من 200 قتيل وأكثر من 1800 جريح في حين يؤكد كل الأطباء أنها مجرد حصيلة مؤقتة لأن ساحة المعركة خطيرة ولم يتم بعد جمع العديد من الجثث ولم يصل كثير من الجرحى لتلقي العلاج.
وأفاد أطباء بأن القتال تسبب بإغلاق سبعة مستشفيات في الخرطوم، بينما لم يعد بإمكان معظم المستشفيات الأخرى تقديم الرعاية أما بسبب نقص اللوازم الطبية والمعدات، أو لأن مقاتلين يحتلونها أو لأن الطاقم الطبي لم يتمكن من الوصول إليها تحت إطلاق النار.
أما مخزونات المواد الغذائية – وهي محدودة تقليديا في بلد يشهد في الأوقات الادية تضخما مرتفعًا جدًا – فهي تتلاشى إذ لم تدخل أي شاحنة مؤن إلى العاصمة منذ السبت.
وفي بلد يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة يعاني أكثر من ثلثهم من الجوع، يقول العاملون في المجال الإنساني والديبلوماسيون إنهم لم يعودوا قادرين على أداء عملهم بعد مقتل ثلاثة موظفين في برنامج الأغذية العالمي في دارفور، غرب البلاد، فيما تندد الأمم المتحدة بنهب مخزونها ومنشآتها.
في هذه الظروف الخطيرة، يعيش السكان في حالة خوف من تعرض منازلهم أو عائلاتهم لهجوم.
فهم لم ينسوا المعارك والمداهمات وغيرها من الفظائع التي أدت إلى إصدار مذكرتي توقيف بتهمة ارتكاب «جرائم حرب» و»جرائم ضدّ الإنسانية» و»الإبادة الجماعية «في دارفور بحق الدكتاتور عمر البشير الذي خلعه الجيش في 2019. في ذلك الوقت، فوض سياسة الأرض المحروقة لرجل واحد هو حميدتي.
جثث على جانبي الطريق
وسار الآلاف من النساء والأطفال الأربعاء باتجاه المحافظات خارج الخرطوم، متقدمين بين الجثث التي بدأت تنبعث منها روائح قاتلة.
حتى الممثليات الديبلوماسية تحاول تنظيم نقل رعاياها. فهي لم تسلم من الهجمات إذ تعرضت قافلة دبلوماسية أميركية لإطلاق نار الاثنين وتعرض سفير الاتحاد الأوروبي «لاعتداء في مقر إقامته» بالخرطوم.
وعلى سبيل المثال، بدأت وزارة الدفاع اليابانية «الاستعدادات الضرورية» لعمليات الإجلاء، وإن كان هذا الاحتمال ما زال بعيدًا، فالقتال بدأ في مطار الخرطوم الذي هو خارج الخدمة منذ ذلك الحين.
قتال عنيف في محيط القصر الرئاسي
شهد محيط القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم، امس، قتالا عنيفا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.وقال شهود عيان، إن «القتال حاليا في محيط القصر الرئاسي يعتبر الأخطر منذ بداية المعارك السبت الماضي».
وفي بيان، قالت قوات الدعم السريع السودانية إنها وافقت على هدنة جديدة لمدة 24 ساعة بدءا من الساعة السادسة امس.
وكان الطرفان قد أعلنا التزامهما بوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة الثلاثاء لكن مراسلا لرويترز في الخرطوم قال إنه سمع أصوات إطلاق النار من دبابات بعد موعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وسُمع في وقت سابق امس دوي قصف مستمر وانفجارات عالية في وسط الخرطوم بالمنطقة المحيطة بالمجمع الذي يضم القيادة العامة للجيش وكذلك حول المطار الرئيسي للبلاد، الذي جرت معارك ضارية بين الجانبين للسيطرة عليه وخرج من الخدمة منذ اندلاع القتال في مطلع الأسبوع.
وتصاعد دخان كثيف إلى السماء وخلت الشوارع من المارة إلى حد بعيد في الخرطوم، إحدى أكبر المدن في إفريقيا.
ومن جانبها، اتهمت قوات «الدعم السريع»،الجيش السوداني بـ»خرق» الهدنة الإنسانية المعلنة بين الجانبين لمدة 24 ساعة بدءا من مساء الثلاثاء.
وتابعت أن الجيش قام «بتحريك قوات عسكرية ومليشيات مسلحة من عدة مدن نحو الخرطوم، والتي حاولت مهاجمة أماكن تمركز قواتنا في أولى ساعات الهدنة».
وأعلنت قوات الدعم السريع في السودان، نقل الرعايا المصريين، الذين كانوا في مطار مروي خلال الاشتباكات التي وقعت مع القوات الانقلابية يوم السبت الماضي، إلى العاصمة الخرطوم.
وقالت قوات الدعم السريع، في منشور أوردته عبر صفحتها بموقع «فيسبوك» اليوم: «نطمئن أسر وحكومة مصر بأن الجنود الذين كانوا يتواجدون في قاعدة مروي العسكرية جميعهم بخير ويتلقون الرعاية اللازمة وسيتم تسليمهم متى سنحت الفرصة المناسبة لذلك وفقاً للأوضاع التي تمر بها البلاد»