السودان: المعارك تستعر عشية العيد.. والجيش يريد «الحسم العسكري»
لم تتوقف الاشتباكات في السودان لليوم السادس على التوالي فيما فشلت كل تعهدات الهدنة بين الأطراف المتحاربة حتى الآن رغم الوساطات الدولية فيما حذّر الجيش السوداني من أنّه «لا خيار إلا الحسم العسكري» إذا لم تَعُد قوات الدعم السريع إلى مواقعها.
فلم تكد تمضي ساعات قليلة على بدء سريان هدنة هشة في السودان، تعالت أصوات الرصاص واشتعلت نيران المواجهة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الساعات الأولى من صباح أمس.
وأفاد شهود عيان عن وقوع اشتباكات وتبادل لإطلاق النار في محيط القصر الجمهوري بالخرطوم. كما تم تحليق كثيف للطيران الحربي في سماء الخرطوم بحري”.
وفي تطور ميداني استخدمت قوات من الدعم السريع مضادات أرضية ضد طائرات الجيش في الخرطوم. كما اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، بمدينة الأبيض مركز ولاية شمال كردفان (وسط).
وأبلغ شهود عيان وكالة”الأناضول” أن اشتباكات عنيفة اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السوق الكبير بالمدينة، ومحيط الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش.
وأوضحت الوكالة نقلا عن الشهود أن “قوة كبيرة من الدعم السريع دخلت مدينة الأبيض واشتبكت مع الجيش”.
وأمس قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إنه لن يتفاوض مع قادة الدعم السريع، مستبعدا حدوث حرب أهلية في البلاد.وأضاف في مقابلة مع “الجزيرة” أنه لا مجال للحديث عن السياسة مرة أخرى مع قوات الدعم السريع لأنهم باتوا خارجين على القانون ومتمردين، وفق تعبيره.
وتحدث البرهان عن إجراءات ستُتخذ في الوقت المناسب ضد قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي).
واتهم قائد الجيش السوداني قوات الدعم السريع بأنها حاولت الاستيلاء على الدولة السودانية وتحويل الاتفاق الإطاري لصالحها، كما اتهم قيادة الدعم السريع بأنها تطمح إلى حكم السودان بالقوة.
وقال البرهان “قلت لحميدتي إن كنا السبب في مشاكل السودانيين فعلينا التنحي معا لكنه رفض التنحي”.
وشدد قائد الجيش السوداني على أنه لا يمكن تسليم الدولة لجهة تعمل لمصلحتها الخاصة بدعوى تجنب الاقتتال.
واعتبر البرهان أن قيادة الدعم السريع بدأت المعارك وهي التي تسببت في ما وصفها بالأحداث المؤسفة التي يشهدها السودان حاليا، قائلا إن قوات الجيش ما زالت في حالة دفاع.
في المقابل قال قائد قوات الدعم السريع السودانية الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي إنه “مستعد للالتزام بهدنة خلال عيد الفطر، لكن الطرف الآخر لا يريد ذلك”.
وفي مقابلة مع “الجزيرة”، قال حميدتي أنهم “ملتزمون بالهدنة لكن الطرف الآخر يقصفنا بكل الآليات”، مشيرا إلى أن “الحل الوحيد للأزمة الآن في السودان هو تسليم البرهان للعدالة”.
وذكر حميدتي أنه لن يجلس مع قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الذي وصفه بأنه “مجرم”.
في المواقف الدولية حثت وزارة الخارجية الأميركية أمس طرفي الصراع في السودان على تمديد وقف إطلاق النار حتى نهاية عطلة عيد الفطر.
وقالت إن واشنطن ترى أن وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة الذي أعلن الأربعاء صمد إلى حد كبير على الرغم من تجدد إطلاق النار الكثيف أمس.
من جهته كشف مسؤول أميركي أمس عن إن الولايات المتحدة تستعد لإرسال عدد كبير من الجنود ضمن قوات إضافية إلى قاعدتها في جيبوتي في حالة الإجلاء من السودان في نهاية المطاف.
ورفض المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، الخوض في التفاصيل.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان “ننشر قدرات إضافية في مكان قريب في المنطقة لأغراض طارئة تتعلق بتأمين وربما تسهيل مغادرة موظفي السفارة الأميركية من السودان إذا اقتضت الظروف ذلك”.
ولم يقدم البيان مزيدا من التفاصيل.
من جانبه دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس إلى وقف إطلاق النار لثلاثة أيام في السودان خلال عيد الفطر والسماح للمدنيين المحاصرين في مناطق الصراع بالخروج والحصول على العلاج والغذاء والإمدادات الأساسية الأخرى.
ولم يحدد غوتيريش موعدا لبدء وقف إطلاق النار.
وتبدأ عطلة عيد الفطر في السودان اليوم وتستمر لثلاثة أيام.
وقال إنه منذ اندلاع القتال بين القوات السودانية وقوات الدعم السريع يوم السبت الماضي، أصبحت العمليات الإنسانية “شبه مستحيلة” وتعرضت المخازن والمركبات وغيرها من أصول تقديم المساعدات الإنسانية للهجوم والنهب والمصادرة.
ولقي ثلاثة من العاملين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حتفهم وأصيب اثنان في اشتباكات السبت في كبكابية في شمال دارفور.
وقال غوتيريش للصحفيين “يتعين إنهاء استهداف موظفي وأصول المساعدات الانسانية… أشعر بقلق شديد إزاء أوضاع موظفي الأمم المتحدة، كثيرون منهم محاصرون في منازلهم في المناطق التي يدور بها الصراع”.
وللأمم المتحدة نحو أربعة آلاف موظف في السودان من بينهم 800 موظف دولي.
وقالت المنظمة الدولية إنه قبل اندلاع أعمال العنف، كان نحو 16 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، أي ثلث السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وتحدث غوتيريش إلى الصحفيين بعد اجتماعه مع رؤساء الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيجاد) وغيرها من المنظمات ذات الصلة.
وقال “كان هناك توافق شديد في الآراء على إدانة القتال الدائر في السودان والدعوة إلى وقف الأعمال العدائية”.
وأضاف إن هدنة العيد لمدة ثلاثة أيام يتعين أن تمهد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار.
وتابع “يتعين أن يتبع توقف القتال حوار جاد يسمح بمرحلة انتقالية ناجحة تبدأ بتعيين حكومة مدنية… يتعين وقف القتال فورا”.
إلى ذلك دعا المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط بـ«منظمة الصحة العالمية»، طرفَي النزاع في السودان، إلى توفير «ممر آمن» يمكّنها من أداء مهمتها، في حين أعلنت الإفراج عن 3 ملايين دولار من ميزانية الطوارئ؛ لمواجهة الأزمة في السودان، ودعت الجهات المانحة لتقديم مزيد من الدعم؛ حتى تتمكن من الاستجابة لهذه الأزمة الطارئة.
وقال أحمد المنظري، المدير الإقليمي للمنظمة، في مؤتمر صحافي افتراضي، الخميس، إنهم مستمرون في تقديم خدماتهم بالسودان، ما دامت صحة الموظفين وسلامتهم متحققتين دون خطر يهددهم.