لماذا لم تهبّ الصين لإنقاذ روسيا؟ (2)

لماذا لم تهبّ الصين لإنقاذ روسيا؟ (2)

ومرة أخرى، يدل الحجم المطلق لصادرات روسيا إلى الصين على واقع أكثر تواضعاً. لا تزال صادرات روسيا إلى الصين منخفضة، فهي بلغت قيمتها 114 مليار دولار العام الماضي. ونسبة هذا الرقم أربعة في المئة من الواردات الصينية- ويساوي قيمة واردات الصين من ماليزيا التي يبلغ حجم اقتصادها سدس حجم اقتصاد روسيا. وبطبيعة الحال، ثمة بعض التهريب، إذ ينقل النفط الروسي، أكثر فأكثر وعلى نحو خفي، بواسطة أسطول متعاظم من السفن الروسية. وقد لا تتستر الصين على معظم وارداتها من الخام الروسي. ولم تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها حظراً على صادرات النفط الروسية، خوفاً، على الأرجح من ارتفاع أسعار النفط الخام، ومن التحريض على رفض العقوبات في الجنوب العالمي رفضاً عنيفاً.

وفي ضوء المستقبل، ربما استقرت صادرات الطاقة الروسية إلى الصين على مستوى ثابت. فلطالما سعت بكين في المحافظة على تعدد الجهات التي تستورد الطاقة منها. ويعتقد خبراء في شؤون الشحن أن الصين تضع سقفاً لواردات النفط لا يتخطى مليوني برميل يومياً من البلد الواحد- وهو المستوى الذي وصلت إليه السعودية قبل مدة طويلة، وربما انتهت روسيا إليه أواخر عام 2022. وقد تكون القيادة الصينية بالغة الحذر، في هذا الصدد، مع روسيا، نظراً إلى أن بوتين، في عام 2022، قطع، من غير تردد، إمدادات الغاز إلى أوروبا. وتحد القيود على القدرات الإنتاجية من صادرات الهيدروكربونات الروسية إلى الصين، وذلك أن عدداً قليلاً من المصافي الصينية جهزت لتكرير الخام الروسي الغني بالزئبق الشديد السمية.

وحال الغاز شبيهة بحال الخام. وتستحيل زيادة التصدير، عبر خط الأنابيب «قوة سيبيريا»، وهو القناة الرئيسة لشحن الغاز الروسي إلى الصين، إلى حين اكتمال عمليات التحديث في عام 2025. ولطالما سعى بوتين إلى بناء خط أنابيب جديد يربط روسيا بالصين، باسم «قوة سيبيريا 2». وعلق آمالاً كبيرة على أن تؤدي زيارة شي إلى موسكو، في مارس 2023، إلى إبرام الصفقة. ولا يبدو أن شي في عجلة من أمره، لسبب وجيه: فالصين وافقت بالفعل على بناء خط أنابيب يربط جزيرة ساخالين الروسية ببر الصين الرئيس. وإذا مد خط «قوة سيبيريا 2» أيضاً، زودت روسيا الصين بنحو نصف وارداتها من الغاز، مما يجعل بكين تعتمد على الغاز الروسي، على ما صنعت أوروبا.

صداقة غير متوازنة

وتوضح نظرة إلى بيانات الجمارك الصينية حرص الصين على أن تكون لها اليد العليا في علاقتها الاقتصادية بروسيا، وتمهل بكين في توفير شريان حياة اقتصادي للكرملين. وفي المستقبل، قد لا تنفك الشركات الصينية قادرة على إنقاذ روسيا من طريق تعزيز استثماراتها هناك. وإلى اليوم، ليس هناك ما يدل على أنها على وشك القيام بالأمر. وقرارات الاستثمار عادة ما يستغرق إنضاجها بين ثلاث سنوات إلى خمس. والحق أنه من غير المرجح أن تملأ الشركات الصينية الفراغ الذي خلفته الشركات الغربية المغادرة. وشركات البلدان التي تعتبرها روسيا الآن «غير صديقة»- والتي اعتادت جلب الابتكار إلى موسكو – أسهمت بـ90 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا، طوال العقد الماضي. واليوم، اقتربت هذه الحصة ربما من الصفر (على رغم أن تصنيف روسيا لبيانات الاستثمار الأجنبي سرية ويجعل من الصعب إعطاء رقم دقيق).

في دورة الألعاب الأولمبية ببكين عام 2022، قبل أسابيع قليلة من بدء موسكو غزوها لأوكرانيا، زعم الزعيمان الروسي والصيني أن صداقتهما «بلا حدود». وبعد مرور أكثر من سنة، أثبت شي وبوتين القول المأثور بأن الجهر بالشيء أسهل من فعله. ولم تتحقق بعد توقعات بوتين الكبرى. وعلى عكس التصريحات الرسمية، لم يقابل توجه روسيا المتحمس نحو الصين بالمثل.

انتهى

* أغات ديماريه هي مديرة التوقعات العالمية في وحدة المعلومات الاقتصادية ومؤلفة كتاب: «نتائج عكسية: كيف تعيد العقوبات تشكيل العالم ضد مصالح الولايات المتحدة».

Spread the love

adel karroum

اترك تعليقاً