دريان في رسالة رأس السنة الهجرية: على الجميعِ التَّنازُلُ لِمَصلحَةِ الوَطنِ
وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة بداية رأس السنة الهجرية الجديدة شرح فيها معاني وقيم الذكرى .وتطرق الى الشأن العام وقال: فَوقَ أَزَمَاتِنا الوَطَنِيَّةِ المُتَكاثِرة، نَعيشُ في هَذِه الأيامِ أَزْمَةً جديدةً، هي الأَسْوَأُ وَقْعاً : اِنْتِخَابُ رئيسٍ جديدٍ للجمهوريَّة . وهذهِ الأزْمَةُ بِالذَّات ، ما كانَ لها دَاعٍ. فالجَمِيعُ يقولونَ بِالطَّائفِ والدُّستور. والدُّستورُ حَدَّدَ مَسَاراً واضِحاً لانْتِخاباتِ الرَّئيس ، فلماذا لا نَتَّبِعُ هذا المَسارَ الوَاضِح ، دُونَمَا اتِّهاماتٍ مُتَبَادَلَة ، وتَعْطِيلِ ما لا يَصِحُّ تَعْطِيلُه ؟
ما يَجرِي اليومَ على السَّاحَةِ اللبنانيةِ مِن شُغورٍ رِئاسِيٍّ، وتصريفِ أعمالٍ في الحكومةِ بِالحُدُودِ الضَّيِّقَةِ، وتعطيلِ انعقادِ جَلَسَاتٍ تشرِيعِيَّةٍ في المَجلِسِ النِّيَابِيّ ، هُوَ مَعِيبٌ بِحَقِّ كُلِّ مَن يُعَرقِلُ إنجازِ هذِه الاستِحقاقَاتِ التي لا يَنْهَضُ البلدُ مِن دُونِ تَحقِيقِها ، وأَوَّلُها انتخابُ رئيسٍ لِيُعِيدَ لِلوَطَنِ مَكَانَتَه، وَلِلمُؤَسَّساتِ تَوَازُنَها، ولكي نَقولَ لِلعَالَم: نحن كلبنانيين مَهمَا اختَلَفنَا فَسَنَبقَى مُحافِظِينَ على لبنانَ العَربِيِّ الهُوِيَّةِ والانتماء ، وإذا لم نُسارِعْ إلى تَدَارُكٍ هذا الأًمرٍ بٍتنفِيذِ ما ذَكَرْنا آنفاً فإنَّ الشَّرخَ والَّفَتُّتَ والانهيارَ والفَوضَى بشتَّى أَنواعِها سَتَزداد، كفانا تذاكياً ومُزايدَاتٍ على بَعضِنَا بعضًا، فعلى الجميعِ التَّنازُلُ لِمَصلحَةِ الوَطنِ ، وإلا فنحن ذاهبون إلى الظَّلام، حيث تَنتَظِرُنا الويلاتُ والمَصائبُ التي سَتَقَعُ على الوَطَنِ وعلى جَميعِ اللبنانيين .
إنَّ السُّكُوتَ عَنْ مَطالِبِ اللبنانيينَ المُحِقَّةَ جريمةٌ لا تُغتَفَرُ ، وتحقيقُها مُطالَبٌ بهِ كُلُّ مَسؤُولٍ في هذه الدَّولةِ أياً كان مَوقِعُه ، لقد نَفِدَ صَبرُ المُواطِنِ الذي يُعانِي الأَمَرَّينِ في مَعِيشَتِه، لا نُرِيدُ بَعدَ اليومِ أقوالاً وخطاباتٍ وَمَواقِفَ وتَصَارِيحَ رَنَّانَةٍ لا تُسمِنُ ولا تُغنِي مِنْ جُوع، بل نريدُ أفعالاً تَنتَشِلُ المُواطِنِينَ مِمَّا هُمْ فيه، اِنتظرْنا بِما يَكفِي، صَرخَتُنا اليومَ هي صَرخَةُ كُلِّ النَّاسِ الذين يعانون مِمَّا يَجرِي في وَطَنِنا، ونحن في نَظَرِنا وفي نَظَرِ كُلِّ اللبنانيين الجَميعُ مسؤولون ويتَحَمَّلون الأَخطَاءَ والخَطَايَا، رُغمَ تَفاوُتِ الدَّرجَاتِ في المسؤولية. يقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ في مُحكَمِ تَنزِيلِه: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ .
إنَّ المَرجِعِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ دَورُها وَطَنِيٌّ وَتَوجِيهِيٌّ ، ولم تُقَصِّرْ في رَفعِ الصَّوتِ دائماً لِحَثِّ المَسؤولين على اتخاذِ المُبَادَراتِ والقَرَارَاتِ التي تَهُمُّ الوَطَنَ والمُوَاطِن، ولكن يَبدُو أنْ ليسَ هناك مِنْ مُجِيبٍ، وهذا لا يَعنِي أَنَّنَا استسلمْنا لِلأمرِ الوَاقِعِ المُؤلِم، وسنبقى نُطالِبُ بِهذهِ الحُقوقِ وَنَدعُو دائماً إلى تحقيقِها، وَنَقِفُ في وَجهِ الظُّلمِ الذي يُلاحِقُ النَّاسَ في حياتِهِم، فَمَا ضَاعَ حَقٌ وَرَاءَهُ مُطالِبٌ ، فَالمُطالَبَةُ بِالحقوقِ أمرٌ مَشرُوعٌ كَفَلَهُ الدُّستورُ.