تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي: تكاليف باهظة وآفاق مستقبلية قاتمة
في الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على التداعيات العسكرية والسياسية والأمنية لعملية «طوفان الأقصى»، التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ضد مواقع عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في محيط قطاع غزة، يوم 7 تشرين الأول 2023، وما تبعها من عدوان إسرائيلي على هذا القطاع، تتعاظم آثار الحرب الاقتصادية، خصوصاً بالنسبة إلى إسرائيل؛ إذ أ لحقت المواجهة أضراراً بالغة باقتصادها الذي عبَر أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، حتى إن قادتها يفاخرون بأن اقتصادها كان من أكثر الاقتصادات نجاحاً في مواجهة الجائحة من خلال تدخل الدولة المباشر.
الاقتصاد الإسرائيلي قبل الأزمة
عندما انطلقت الأزمة الحالية، يوم 7 تشرين الأول 2023، لم يكن قد مضى سوى عامين على جائحة فيروس كورونا، التي أفضت إلى أول انكماش اقتصادي يتعرض له الاقتصاد الإسرائيلي منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. وقد أطلقت الحكومة مجموعة حزم إنعاش اقتصادية بتكلفة بلغت نحو 50 مليار دولار؛ ما أفضى إلى عجز قياسي في ميزانيتها، وارتفاع مديونيتها إلى نحو ثلاثة أرباع حجم اقتصادها الكلي. وبتدخل حكومي محدود، تمكّن الاقتصاد الإسرائيلي خلال العامين التاليين (2021-2022) من استعادة توازنه بالنظر إلى التنامي الملحوظ في الطلب المحلي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، وتحقيق نمو اقتصادي بلغ نحو 8.6 في المئة و6.5 في المئة، على التوالي، وهي معدلات مرتفعة عموماً، مقارنةً بأي اقتصاد آخر في هذه الفترة. وبناءً على ذلك، استعادت المالية العامة للحكومة عافيتها وبدأت مؤشراتها في التحسن، لا سيما حجم الدين العام منسوباً إلى الناتج المحلي الذي عاد ليستقر عند مستويات مقاربة لما قبل الجائحة. وفي مقابل ذلك، كانت التقديرات الخاصة بالاقتصاد الإسرائيلي، خلال العامين الجاري والمقبل، وفقاً لمعطيات ما قبل الحرب، تشير إلى عودته إلى النمو وفقاً لمساره الطبيعي، في حدود 3 في المئة سنوياً.
كيف تلقى الاقتصاد الإسرائيلي صدمة 7 تشرين الأول/ أكتوبر؟
يُعد الاقتصاد الإسرائيلي من الاقتصادات الصلبة بنيوياً، ويُصنف ضمن الاقتصادات المتقدمة في المنطقة. ويمتلك هذا الاقتصاد قاعدة خدمية، وقاعدة صناعية كبيرة، وقاعدة زراعية على نطاق أضيق، تعتمد جميعها على تكنولوجيا متقدمة. وعلى الرغم من القوة البنيوية من جهة، والدعم الكبير الذي تلقته إسرائيل من المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى بعد الضربة العسكرية الموجعة في 7 تشرين الأول، فإن هذين العاملين لم يمنعَا وكالات التصنيف الائتماني العالمية من تعديل النظرة المستقبلية إلى الاقتصاد الإسرائيلي من «مستقر» إلى «سلبي»، وقد توقعت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنحو خمس نقاط مئوية في الربع الأخير من هذا العام، وأعلنت كل من وكالتي «موديز» و»فيتش» عن وضع التصنيف الائتماني المحلي والعالمي لإسرائيل تحت المراجعة المفضية الى التخفيض.
وتُعدّ العُملة الإسرائيلية (الشيكل)، التي كانت ترزح تحت وطأة الضغوط المرتبطة بأزمة «الإصلاحات القضائية»، والاحتجاجات التي أعقبتها منذ بداية العام الجاري، الأكثر تأثراً بهجوم 7 تشرين الأول. فمنذ اندلاع الأزمة فقدَ الشيكل أكثر من 5 في المئة من قيمته الدولارية، وبلغ أدنى مستوياته في ثماني سنوات، على الرغم من التدخل المباشر لبنك إسرائيل (البنك المركزي) وضخه لنحو 30 مليار دولار لاحتواء الطلب المتزايد على الدولار والحيلولة من دون تدهور أكبر لسعر صرف الشيكل. ويبدو أن البنك المركزي اختار التضحية بجانب من احتياطياته من العملات الأجنبية من أجل تجنب زيادة أسعار الفائدة؛ حتى لا يتعمق التراجع المحتمل في الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري المحلي، وللحيلولة دون انزلاق الاقتصاد نحو ركود أعمق، وهو أمرٌ يسمح بالقول إن عملية طوفان الأقصى هزت الاقتصاد الإسرائيلي بقدر ما هزت المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية، ووضعت السياسات الاقتصادية لحكومة إسرائيل أمام تحديات صعبة؛ فتراجع سعر صرف الشيكل على نحو متسارع من شأنه تشكيل ضغوط تضخمية إضافية إلى الصدمة التي تلقتها سلسلة الإنتاج وما سينجم عنها من ارتفاع في تكلفة الشحن والتأمين على المستوردات. وفي حال إخفاق السلطات الإسرائيلية في احتواء التضخم، فإن اختلالات معيشية قد تترتب على ذلك؛ ما قد تدفع، إلى جانب الضغوط الأمنية، إلى زعزعة دعم الرأي العام الإسرائيلي لأجندة الحكومة العسكرية والسياسية.