بعد 42 يوماً على عملية طوفان الأقصى ما الذي يحصل للاقتصاد الإسرائيلي؟

بعد 42 يوماً على عملية طوفان الأقصى ما الذي يحصل للاقتصاد الإسرائيلي؟

بعد جائحة كورونا، شهد الاقتصاد الإسرائيلي تعافيًا كبيرًا، فنما خلال عام 2021 بنسبة 8.6%،  وفي العام التالي بمقدار 6.5%، وكان من المتوقع له أن يعود هذا العام إلى حدود نموّ طبيعية، بحوالي 3%. هذا التعافي والاستقرار، والذي كان نتانياهو قد بشّر به من على منبر الأمم المتحدة، وبشموله الشرق الأوسط بأسره، مع كثرة الحديث عن تزايد «قبول» دولة الاحتلال في المنطقة، واحتمالات التطبيع مع السعودية، والحديث عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي كان يفترض أن يعزّز حضور «إسرائيل» في المنطقة بوصفها لاعبًا اقتصاديًا واستراتيجيًا لا يمكن الاستغناء عنه، يمكن القول إنه كان محاولة منه للتعمية على أزمات يعيشها اقتصاد الكيان بفعل الانقسام السياسي الحادّ الذي تعيشه البلاد، والذي تمثّل في تظاهرات مستمرّة على مدى عشرات الأسابيع، احتجاجًا على ما وصفته المعارضة الإسرائيلية بمساعٍ حكومية للانقلاب على «الديموقراطية».  وكان من تبعات هذا الانقسام انخفاض في قيمة الشيكل لأدنى مستوى له منذ سبع سنوات، وهروب لرؤوس أموال، وحالة من عدم اليقين تسود الاقتصاد، خاصة مع ما وصف على أنه توتّر في العلاقات بين الاحتلال والولايات المتحدة. ويضاف إلى هذا بطبيعة الحال، الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، والمتمثّلة بشبح ركود اقتصادي يعمّ العالم، وتبعات الحرب في أوكرانيا. لكن كل هذا الكلام عن التعافي، والتطبيع وما يستتبعه من منافع اقتصادية على الكيان، بات مشكوكًا به.

خسائر الاقتصاد الإسرائيلي بعد السابع من تشرين الأول

انعكست عملية طوفان الأقصى على الفور خسائر اقتصادية للاحتلال، وقد تبدّت هذه الخسائر في انخفاض حاد في قيمة الشيكل، والذي نزل لأدنى مستوى له منذ العام 2012، وفي الأيّام التالية، ومع اتضاح أن «إسرائيل» تدخل حربًا لن تكون قصيرة، وربما تتوسع، انخفض الشيكل أكثر، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 14 عامًا، أي منذ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008/2009، وهو ما حاول بنك إسرائيل التعامل معه، مستفيدًا من تجربة دولة الاحتلال في التعامل مع تبعات جائحة كورونا،[1] من خلال خطة لبيع النقد الأجنبي بمبلغ يصل إلى 30 مليار دولار إلى جانب تنفيذ عمليات تبادل العملة بمبلغ يصل إلى حوالي 15 مليار دولار.

ومع نهاية الشهر، كانت الأسهم الإسرائيلية، بحسب تقرير لصحيفة بلومبيرغ، هي الأسوأ أداءً في العالم، حيث انخفض المؤشر الرئيسي في بورصة تل أبيب بنسبة 15% من حيث القيمة الدولارية، أي ما يعادل حوالي 25 مليار دولار. وتراجعت أسعار أسهم أكبر خمسة بنوك بنسبة 20%، وانخفض مؤشر البنوك بنسبة 6% منذ بداية عام 2023، خصوصا مع بيع مستثمرين أجانب لحصصهم في البنوك الإسرائيلية. ويمكن عزو هذه الخسائر إلى مجموعة من الأسباب على رأسها انعدام اليقين بالغد، سواء على المستوى الأمني، أو على مستوى وجود دولة الاحتلال ذاتها، إذ كانت الضربة التي تلقاها الكيان هي الأكبر في تاريخه. ومع احتمالات تصاعد المعركة، انعكس هذا على نظرة المستوطنين لدولتهم وجيشها واقتصادها، وكذلك الأمر على نظرة العالم إليها، بغض النظر عن التطمينات الغربية، وعلى رأسها الأميركية، التي قالت لقادة الاحتلال وجمهوره، وربما باقي العالم، إن راعية المستوطنة لا زالت متمسّكة بها. انعكست عملية طوفان الأقصى على الفور خسائر اقتصادية للاحتلال، وقد تبدّت هذه الخسائر في انخفاض حاد في قيمة الشيكل، والذي نزل لأدنى مستوى له منذ 14 عامًا.

وخوفًا من صواريخ المقاومة وعملياتها، طلبت حكومة الاحتلال من الشركة المشغّلة لحقل تامار للغاز إيقاف العمل في الحقل الذي يزوّد الكيان بـ18% من حاجاته للغاز المستخدم لتوليد الطاقة، وهو ما ينعكس على الكيان بخسارة قدرها 200 مليون دولار شهريًا. كل هذا دفع وكالات التصنيف الائتماني لتخفيض نظرتها للاقتصاد الإسرائيلي، فمثلًا خفضت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال نظرتها المستقبلية للاقتصاد الإسرائيلي من مستقرة إلى سلبية. وتوقع بنك «جي بي مورغان» أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، مقارنة بالربع الثالث مع تصاعد الحرب في غزة. ومع هذه المؤشرات قلّص بنك إسرائيل تقديراته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3%، وإلى 2.8% لعام 2024، بعدما كانت التوقعات للعامين تصل إلى 3%. هذه التوقعات، يقول حاكم بنك إسرائيل أمير يارون، تستند إلى تركّز الصراع على حدود غزة خلال الربع الأخير من العام، أمّا في حال كان الصراع أطول، أو شمل جبهة أوسع تشمل لبنان وغيرها من الجبهات، فمن شأن التقديرات أن تتغير بشكل كبير.

أزمة العمالة

منذ سنوات تعاني «إسرائيل» من أزمة عمالة، إذ لا تكفي اليد العاملة فيها للقيام بالنشاطات الاقتصادية في البلاد، وتبرز هذه المشكلة في عدد من القطاعات الرئيسية التي يستنكف عدد من الإسرائيليين عن العمل بها، ولذا يعمل في الكيان حوالي 115 ألف عامل أجنبي، معظمهم في قطاع تقديم الرعاية (caregivers) وبعدها قطاعات الزراعة والبناء، يليها بنسب أقل الفنادق والتكنولوجيا المتطورة (High Tech). يضاف إلى هؤلاء حوالي 139 ألف عامل فلسطينيّ من الضفة وغزة،[2] يعمل معظمهم في قطاعيْ الزراعة والبناء. وللتعامل مع هذه المعضلة، وقبل الحرب بأشهر وقع الكيان اتفاقية مع الهند لاستقدام أكثر من 40 ألف عامل، للعمل في مجالات البناء وتقديم الرعاية.

وتبدو هذه الأزمة بوضوح في قطاع الزراعة، والذي تعرّض لضربة قاسية، إذ وإضافة إلى عدم قدرة المستوطنين على الوصول إلى المستوطنات معظم الوقت إلّا تحت حماية جيش الاحتلال، تعتمد «إسرائيل» في جزء كبير من زراعتها على مستوطنات الغلاف، والتي تعتبر «رقعة الخضار الإسرائيلية» (vegetable barn)، حيث تنتج حوالي 75% من حاجة الكيان من الخضروات. ومع تضرّر الزراعة في هذه المستوطنات، والحديث عن لجوء «إسرائيل» للتوسع في استيراد الغذاء، بات متوقعًا أن يحتاج القطاع لسنوات حتى يعود إلى ما كان عليه.

قطاع آخر تظهر فيه مشكلة العمالة، وهو التكنولوجيا المتطوّرة (high tech)، وهو القطاع الذي يسهم بحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الاحتلال، ويشغّل أكثر من نصف مليون، يشكّلون حوالي 14% من القوى العاملة الإسرائيلية، كما أنه مسؤول عن 48% من مجمل الصادرات الإسرائيلية و30% من العوائد الضريبية. ومن بين العاملين في القطاع، تم تجنيد رقم يتراوح ما بين 10% و15%، إذ إن معظم العاملين ممن تم تجنيدهم هم دون سن الأربعين، وهي الفئة العمرية الأكثر عملًا في قطاع التكنولوجيا، الأمر الذي يعني عدم قدرة الشركات العاملة في هذا المجال على الالستمرار في عملها بكفاءة.

أمّا مجال البناء، فقد توقف في الأسابيع الأولى من الحرب، بأوامر من رؤساء البلديات، قبل أن يسمح له بالعمل من جديد، لكن مع منع حوالي تسعين ألف فلسطيني كانوا يعملون في البناء من العمل فيه، ومغادرة أربعة آلاف عامل أجنبي، من أصل 18 ألفًا، فالقطاع يعمل اليوم بنسبة 25% من قدراته.

Spread the love

adel karroum

اترك تعليقاً