ودعا الجيش الإسرائيلي مواطني غزة إلى الاستجابة لأوامر الإخلاء، حفاظا على سلامتهم.
دعا الجيش الإسرائيلي، الأحد، سكان أحياء عدة في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، إلى التوجه إلى مناطق أخرى بأقصى جنوبي القطاع، قرب مدينة رفح الحدودية مع مصر، وذلك في ظل مخاوف وتحذيرات قائمة من محاولة تهجير الفلسطينيين في القطاع نحو مصر.
وظهرت أصوات إسرائيلية مع اندلاع الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، تطالب مصر باستقبال فلسطينيي غزة في سيناء بشكل مؤقت حتى انتهاء العمليات القتالية، لكن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عارض بشدة مثل هذا الإجراء واعتبر تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء “خط أحمر” للأمن القومي المصري.
طالب الجيش الإسرائيلي في بيانه عبر منصة “إكس”، سكان أحياء في خان يونس بالتوجه نحو مناطق “مخيم الشابورة وتل السلطان والفخارى”، وهي مناطق في أقصى جنوبي القطاع قرب الحدود المصرية.
وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، حذر من أن القتال في جنوبي قطاع غزة “سيوفر احتمالية كبيرة بأنهم (سكان غزة) ربما يرغبون في الفرار إلى أقصى الجنوب وتخطي الحدود”.
وتعليقًا على مثل هذا السيناريو، كتب الأمين العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، عبر إكس: “أرجو أن نكون مدركين للمخطط الإسرائيلي الغادر للتهجير القسري لأهالي غزة المخالف لكل القوانين والقيم، وأن نفعل ما بوسعنا لوقفه.. وأعتقد أن لدينا ما يمكن أن نفعله”.
وفي رد على سؤال للحرة، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه قواته تشارك في قتال فعلي، وبالتالي لم تصدر تعليمات للمدنيين بالعودة إلى شمال قطاع غزة.
ودعا الجيش الإسرائيلي مواطني غزة إلى الاستجابة لأوامر الإخلاء، حفاظا على سلامتهم.
ولم يعلن الجانب الإسرائيلي صراحة نيته نقل الفلسطينيين إلى سيناء، لكن أول من أثار هذه القضية هو المتحدث باسم الجيش، ريتشارد هيخت، عندما قال بعد أيام من بدء الحرب: “معبر رفح لا يزال مفتوحا (..) وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”.
وأثارت هذه العبارة توجس الجانب المصري وقرأها على أنها تمهيد وتأكيد على النوايا الإسرائيلية في ذلك، مما دفعه لإطلاق تحذيرات من أي سيناريو يتعلق بتهجير سكان غزة إلى الأراضي المصرية.
ورغم بيان التصحيح لقول هيخت واصلت القاهرة موقفها وصعدّت من حالة الرفض لـ”خطة توطين الفلسطينيين من قطاع غزة في مصر”.
“فكرة التهجير”
قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في بيان الدعوة للتحرك نحو مناطق في رفح، الأحد: “نشرنا خريطة المناطق التي تقسم أراضي القطاع إلى مناطق وأحياء تعرفونها، في مسعى لمساعدتكم في المراحل التالية من الحرب، على فهم وإدراك التوجيهات الصادرة والانتقال من مواقع محددة بدقة إذا ما لزم الأمر حفاظا على أمنكم”.
وكانت إسرائيل نشرت خريطة لقطاع غزة تم تقسيمه إلى “بلوكات” مرقمة حسب المناطق، وأوضح أدرعي، الجمعة، لموقع “الحرة”، أن كل رقم يدل على أحد الأحياء المعروفة لدى سكانها، مشددا على أن الهدف من ذلك منع حصول إجلاء لمساحات بعيدة، وأن يكون النزوح من حي إلى آخر ولفترات مؤقتة.
وأشار إلى أن “إسرائيل لا تطلب من سكان غزة مغادرة القطاع، بل مغادرة الأماكن التي تجري فيها عمليات عسكرية، والإخلاء من مناطق القتال يتم من أجل التمييز بين المدنيين والمسلحين”.
لكن المحلل الفلسطيني، أشرف العكة، أكد في تصريحات لموقع “الحرة”، أن دعوة إسرائيل للسكان بالتوجه نحو رفح “يعني مضيه قدما في عملية تهجير باتجاه رفح ولاحقا سيناء، وتتم العملية تحت وطأة الجوع والحصار والأمراض والقصف”.
وأوضح أن “الولايات المتحدة الداعم الأول لإسرائيل، حذرتها من التهجير”، لافتا إلى دعوات النزوح إلى منطقة المواصي جنوبي القطاع منذ بداية الحرب.
ونقلت وكالة “رويترز”، الثلاثاء، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل أن تولي اهتماما أكبر بحماية المدنيين والحد من الإضرار بالبنية التحتية، حال شنها هجوما في جنوبي غزة، لتجنب المزيد من عمليات التهجير التي من شأنها أن تفوق الجهود الإنسانية.
“حل مؤقت” و”خط أحمر”
أشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، إلى إن إسرائيل لا تمتلك “طموحات توسعية لا في قطاع غزة ولا في أي من دول الجوار… لسنا معنيون بتفريغ قطاع غزة من سكانه.. الادعاء بأن لإسرائيل مخطط يهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، هو من نسج خيال الصحافة الناصرية التي أدمنت على الكذب والافتراء”.
وحول التطرق إلى فكرة التهجير على لسان مسؤولين وسياسيين إسرائيليين، أكد في حديثه لموقع الحرة، أن المقصود “تهجير مؤقت، كما فعلت بولندا ودول جوار أوكرانيا مع الأوكرانيين”.
وتابع: “أتمنى أن تُظهر مصر قدرا أكبر من التعاون معنا من أجل إبعاد المدنيين عن مناطق الحرب، حتى ننتهي من العمليات العسكرية، ولكن القيادة المصرية على ما يبدو غير معنية بأمن وسلامة الفلسطينيين. لقد ساعدناها في حربها ضد دواعش سيناء وهي ترفض التعاون معنا ضد دواعش غزة. موقف القاهرة غير مفهوم وليس على مستوى الحدث”.
وطالما رفضت القاهرة ما يقال عن سيناريو تهجير الفلسطينيين نحو سيناء، وحذرت في بيان لوزارة الخارجية، الجمعة “من مغبة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة، ودعاوى المسئولين الإسرائيليين المشجعة لتهجير الفلسطينيين خارج حدود غزة.. مؤكدة مجددا على موقف مصر الراسخ الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين خارج حدود أرضه، باعتباره خطاً أحمر لن يتم السماح بتجاوزه”.
يذكر أن العمليات العسكرية الإسرائيلية، أدت إلى مقتل نحو 15200 شخص في قطاع غزة، من بينهم ما لا يقل عن 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.
وأضافت الوزارة أنه خلال الساعات الـ36 الأولى منذ انهيار وقف إطلاق النار، قُتل أكثر من 200 فلسطيني.
وجاء ذلك ردا على هجمات حماس غير المسبوقة، التي استهدفت بلدات في غلاف غزة، وخلفت 1200 قتيل، أغلبهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وأدت إلى اختطاف 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية
وانهارت الهدنة بين حماس، المصنفة إرهابية، وإسرائيل، الجمعة، بعد استمرارها سبعة أيام، تم خلالها الإفراج عن أكثر من 100 رهينة لدى حماس مقابل إطلاق 240 سجينا فلسطينيا.
المحلل الفلسطيني، العكة، أكد أن مواجهة “مخطط التهجير يتطلب أكثر من التحذير، فلا يمكن مواجهة التهجير إلا بوقف الحرب والعدوان. من يريد إيقافه يجب عليه الضغط من أجل وقف إطلاق النار، وما عدا ذلك سيتسبب في دوامة دم لا تتوقف”.