تأثير الدومينو لحرب غزة.. التجارة العالمية وجهاً لوجه مع أزمتي باب المندب وقناة بنما
بينما بدأت شركات شحن عالمية تحويل مسار سفنها بعيداً عن مضيق باب المندب جنوبي البحر الأحمر، باتجاه رأس الرجاء الصالح جنوبي دولة جنوب إفريقيا، فإن أزمة أخرى تواجهها التجارة العالمية، قادمة من مضيق بنما.
ومنذ عدة شهور، تشهد قناة بنما بين الأمريكيتين، تراجعاً في منسوب المياه، الأمر الذي دفع إلى تقليل عدد السفن العابرة للقناة، إلى جانب تحديد نوعيتها، تجنباً لاصطدام أسفلها بقاع القناة.
وأدى الجفاف في بنما، والذي تفاقم بسبب ظاهرة النينو المناخية، التي ترفع درجة حرارة المحيط الهادئ، إلى ارتفاع الرسوم وحركة المرور في القناة بعد انخفاض المنسوب، ما أجبر ناقلات الوقود وشاحنات الحبوب على اتخاذ طرق أطول لتجنب الازدحام.
وهناك طريق بديلة تأخذ السفن عبر ساحل المحيط الأطلسي بأكمله في أمريكا الجنوبية، ويعبر مضيق ماجلان عند الطرف الجنوبي الجليدي للقارة ويتجه عائداً إلى مسارات ساحل المحيط الهادئ.
وبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، تشكل قناة بنما ما نسبته 5 بالمئة من حركة التجارة المنقولة بحراً، وترتفع في شهور الذروة (الصيف) إلى 7 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية.
وبحسب تقرير لمعهد التصدير والتجارة الدولية، فإنه، وبدون عمل قناة بنما بسلاسة، إلى جانب التطورات الأمنية والعسكرية على مضيق باب المندب، فإن تأثير الدومينو للأضرار وتعطيل سلاسل التوريد الناجم عن تأخر السفن، وفي الأماكن الخاطئة، سيكون كبيراً.
ويقول مشغلو القناة إن القيود المفروضة على السفن التي تستخدم القناة من المحتمل أن تظل قائمة حتى العام المقبل.
ووفقاً لتوقعات خبراء أوردتها وكالة بلومبرغ، فإن ظاهرة النينو وتغير المناخ وارتفاع درجات حرارة المحيطات، سيجتمعان في مواسم الجفاف الممتدة في جميع أنحاء أمريكا الوسطى، حتى عام 2024.
ومنذ الصيف الماضي حتى اليوم، ارتفعت أسعار شحن البضائع بين الصين والولايات المتحدة بنسبة 36 بالمئة كنتيجة مباشرة؛ دون احتساب الخسائر الناتجة عن تأخير نقل البضائع.
وفي نهاية آب الماضي، كانت 135 سفينة مصطفة في الطابور، أي أكثر بنسبة 50 بالمئة من المعتاد لهذا الوقت من العام.
مضيق باب المندب
وتعتمد نحو 10 – 12 بالمئة من التجارة العالمية على مضيق باب المندب، وفق تصريحات صادرة عن ماركو فورجيوني، المدير العام لمعهد التصدير والتجارة الدولية، في مذكرة بحثية صدرت في 16 كانون أول الماضي.
واليوم، تستعيد صناعة الملاحة البحرية، ما جرى في آذار 2021 عندما جنحت سفينة إيفرجرين بقناة السويس، والخسائر الاقتصادية الناتجة عن عرقلة الملاحة في القناة مدة 6 أيام.
تلك أزمة، أخرجت السفن عن الجدول الزمني لعدة أشهر، فيما تشير تقديرات شركة “vessel tracking” المتتبعة لحركة الملاحة العالمية، أن أزمة مضيق باب المندب الحالية، ستؤدي إلى تراجع الحركة بنسبة 20 – 30 بالمئة عبر البحر الأحمر.
وتظهر بيانات منشورة على موقع “vessel tracking، أن متوسط عدد القطع (سفن وقوارب) البحرية العابرة للمضيق سنوياً بلغ نحو 22 ألف قطعة بحرية، أي قرابة 60 قطعة يومياً.
وحتى اليوم، لم تنشر أي من المؤسسات الاقتصادية الدولية، أية تقديرات حول خسائر التجارة العالمية، الناتجة عن تعليق الملاحة في البحر الأحمر من جانب عمالقة الشحن، واتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح.
لكن فيليب لين كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، قال، الأربعاء، إن البنك يراقب الوضع في البحر الأحمر، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الهجمات على السفن ستؤثر على التضخم وفي أي اتجاه.
وقال لين أمام فعالية اقتصادية في دبلن: “من الواضح أن الاختناقات من أي نوع تمثل مشكلة كبيرة.. لكن في ما يتعلق بالتأثير الصافي على التضخم، هناك ضغوط في كل اتجاه هناك”.
وفي سوق النفط العالمية، ارتفعت أسعار العقود الفورية لخام برنت، بمقدار دولارين اثنين، منذ بداية تعاملات الأسبوع الجاري بتاريخ 18كانون أول الجاري، بسبب التوترات القائمة على مضيق باب المندب.
وتشكل العقود الفورية للنفط ما نسبته 30 بالمئة من مجمل الطلب اليومي للخام، البالغ 102 مليون برميل يوميًا، أي نحو 34 مليون برميل، صعدت أسعارها بمقدار دولارين لكل برميل واحد، مقارنة مع إغلاق جلسة الجمعة، إلى 79 دولاراً للبرميل. وفي 19 تشرين ثاني الماضي، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، الاستيلاء على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر”، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني.
وتوعدت جماعة “الحوثي” في أكثر من مناسبة، باستهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، “تضامناً مع فلسطين”، ودعت الدول إلى سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن.
وتوالت الهجمات ضد سفن تقول الجماعة إنها مرتبطة بإسرائيل، الأمر الذي دفع عدة شركات شحن حاويات، لتعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
أبرز هذه الشركات، ثلاث تصنف أنها أكبر شركات شحن الحاويات عالمياً، وهي: شركة MSC، وشركة إيه.بي مولر-ميرسك، إلى جانب شركة CMA-CGM، إلى جانب شركة بريتش بتروليوم للنفط والغاز.