هوكستين والحزب «ضدّ الحرب»: ماذا عن نتانياهو؟
هي سياسة العصا والجزرة تحكم التفاوض الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية على الاتفاق الأمنيّ في الحدود البرّية الجنوبية. فتارة ترتفع أسهم الحرب والكلام عن ضربة موضعية سيتعرّض لها لبنان والحزب تحديداً، وتارة يهدّد الإسرائيلي بجعل لبنان غزة ثانية، ثمّ يصل الموفدون الدوليون لاحتواء التصعيد وفي جعبتهم ملفّ التفاوض على الحدود البرّية وتطبيق القرار 1701 بما فيه من انعكاسات ستكون إيجابية على الوضع اللبناني.
أمس الخميس وصل الموفد الأميركي آموس هوكستين وفي جعبته رغبة وإرادة أميركية شديدة وحاجة إلى المفاوضات. ولكنّ نجاحها يعترضه أكثر من مطبّ، وأبرز هذه المطبّات الخلاف الأميركي الإسرائيلي على مخرج العدوان على غزة وعلى اليوم التالي، بالإضافة إلى اشتراط نصرالله أن لا تفاوض قبل وقف العدوان.
إن كان المسار السياسي في غزة لليوم الذي يلي الحرب منفصلاً عن المسار اللبناني السياسي للحلّ، فإنّ شرط الأمين العام للحزب بربط الاتفاق الأمنيّ بوقف العدوان على غزة وضع الجميع أمام معضلة الوقت، ومنهم نصرالله نفسه. ففي الوقت الذي يتقاطع هوكستين مع الحزب على رفض الحرب، يتمرّد نتانياهو على هذا التقاطع واضعاً توقيته أولويّة، ولو أدّى ذلك إلى تفجير الوضع بكامله.
تفاوض بالأولويّات
انطلاقاً من أنّ الفخاخ التي يمكن أن تفجّر المفاوضات كثيرة، تحرص المصادر الدبلوماسية المواكبة لمهمّة هوكستين على القول إنّ نجاح المفاوضات يفترض الانتقال بها من بند إلى بند وفق الأولويات وترك البنود الإشكالية إلى وقت لاحق.
بعد جولته على المرجعيات السياسية والأمنيّة كان عنوان كلام هوكستين واضحاً، بخاصة بعد لقائه الرئيس بري في عين التينة، وهو «عودة آمنة للمستوطنين في شمال إسرائيل». وللوصول إلى هذا الاستقرار على الحدود، فإنّ مهمّة هوكستين سترتكز على:
-1 تثبيت الحدود الجنوبية، وبالتالي التفاوض في النقاط العشر الإشكالية ونقطة الـB1.
هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ نقطة الـB1 لم تعد إشكالية كما كانت حالها قبل ترسيم الحدود البحرية، على اعتبار أنّ أهميّتها كانت بتأثيرها على الحدود البحرية، أما وقد حصل هذا الترسيم فإنّ تأثيرها لم يعد يعتبر إشكالية مطروحة.
-2 انتشار قوات اليونيفيل والجيش اللبناني على طول الحدود بما يعنيه انسحاب قوات الحزب.
-3 انسحاب إسرائيل من الغجر وكفرشوبا.
-4 معالجة مزارع شبعا وفق الوثائق التي تؤكّد ملكيّتها في الأمم المتحدة، أي وضعها تحت وصاية دولية مؤقّتة للانتهاء من تحديد ملكيّتها على اعتبارها إشكالية ثلاثية بين لبنان وسوريا وإسرائيل.
إلا أنّ هذه النقطة الأخيرة ستُترك لوقت لاحق للتفاوض كي لا تفجّر المفاوضات على اعتبارها نقطة إشكالية، وبالتالي تؤكّد المصادر الدبلوماسية أنّ المهمة الدولية الأميركية المنسّقة مع باريس تهدف إلى نجاح المفاوضات لعقد اتفاق أمنيّ طويل المدى يريح المنطقة لأنّ أيّ تفجير للمفاوضات يعني تصعيداً أمنيّاً وارتفاعاً لأسهم الحرب، وهو ما لا تريده واشنطن ولا طهران.
عامل الوقت ضدّ واشنطن والحزب معاً
تسعى اللجنة الخماسية إلى فصل مسار الحلّ في لبنان عن مساره في غزة. نجحت في فصل الحلول السياسية، بمعنى أنّ لبنان لن ينتظر الحلّ السياسي لليوم التالي في غزة، لكنّها فشلت في فصل الوصول إلى اتفاق أمنيّ على الحدود عن وقف العدوان على قطاع غزة. فكان كلام الأمين العامّ للحزب واضحاً في خطابه الأخير بفتح باب المفاوضات، لكن بعد وقف العدوان. فيما ربط الحزب الاتفاق الأمنيّ هذا بتوقيت الحرب يضع كلّاً من واشنطن والحزب أسرى لرغبة نتانياهو في إطالة الحرب إلى حدّها الأقصى لأنّها وحدها تستطيع إنقاذه من أزماته الداخلية.
نقل هوكستين بعد لقائه الرئيس بري عن حكومة إسرائيل أنّها تفضّل الحلّ الدبلوماسي لا الحرب. وبالتالي القوى على اختلافها متّفقة على إبقاء لبنان بعيداً عن الحرب ومختلفة على كيفية تحقيق ذلك.
لا تزال واشنطن ترفع فيتو مجلس الأمن ضدّ وقف إطلاق النار في غزة، لكنّها تضغط باتجاه حصر الحرب لأنّ مصلحتها الانتخابية أوّلاً الحدّ من تداعيات الحرب على حملة بايدن الرئاسية.
ربط الحزب أيّ اتفاق أمنيّ مقبل وإنهاء الاشتباك في الجنوب مع وقف العدوان على غزة، منفتحاً على الحلول الدبلوماسية المقبلة، بمعنى أنّه وافق على التفاوض والترسيم البرّي وإطار الاتفاق المقبل حتماً ووضعه بتوقيت نتانياهو. أمّا الفترة الزمنية الفاصلة بين يومنا هذا ويوم إعلان وقف العدوان على غزة، فهي فترة استمرار استهداف إسرائيل لقوات الحزب في الجنوب.
وبالتالي يواجه الحزب حالياً مأزق خسارة خيرة مقاتليه وقادته في وقت ضائع نسبياً لأنّ الاتفاق الأمنيّ مقبل حتماً.
بين التحذير والتهديد والوعود المقبلة في حال استقرار البلاد، لا شكّ أنّ لبنان يمرّ بمرحلة من المراحل المفصليّة التي شهدها تاريخه.
جوزفين ديب