المرأة الغزية الضحية الأولى للحرب الإسرائيلية على القطاع – 2
حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان النظام الصحي في غزة يواجه «تحديات كبيرة بسبب الحصار الذي دام 16 عاماً»، كما يقول دومينيك ألين من صندوق الأمم المتحدة للسكان، إذ «قيدت إسرائيل دخول البضائع والوقود إلى القطاع منذ سيطرة حماس عليه بالقوة في سنة 2007، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية قبل عام»، ويتابع: «أما اليوم، فالنظام الصحي على وشك الانهيار، وفي بعض المؤسسات، انهار بالفعل، ولا تستطيع النساء الحوامل الحصول على خدمات صحة الأم الأساسية، ويواجهن تحديات لا يمكن تصورها». ووفقاً له، فإن المعيار الإنساني لاستهلاك المياه هو ثلاثة لترات على الأقل يومياً للشخص الواحد. ويشرح قائلاً: «تحتاج النساء الحوامل إلى ما لا يقل عن ثلث لتر إضافي، وتحتاج النساء المرضعات إلى الثلثين على الأقل». وتخبرنا امرأة أنجبت قبل سبعة أشهر «أن حليبها قد جف لأنها لم تشرب ما يكفي من الماء، وأيضاً بسبب الضغط الناجم عن التنقل من ملجأ إلى آخر». وتوضح هبة طيبي، من منظمة «كير إنترناشيونال» غير الحكومية، أن بعض النساء اللاتي لا يستطعن الإرضاع «يضطررن إلى استخدام المياه الملوثة في صناعة الحليب الصناعي لأنهن لا يحصلن على مياه نظيفة»[2].
عنف متعدد الأشكال تتعرض له المرأة الغزية
«ليل المدينة مظلم إلا من وهج الصواريخ، صامت إلا من صوت القصف، خائف إلا من عزاء الدعاء، مظلم إلا من نور الشهداء؛ ليلة سعيدة يا غزة”، كتبت الكاتبة والشاعرة الفلسطينية هبة أبو ندى للمرة الأخيرة، قبل أن تستشهد في غارة إسرائيلية عشوائية في 20 تشرين الأول/أكتوبر الفائت. قُتلت هبة، البالغة من العمر 32 عاماً فقط، في خان يونس، جنوب قطاع غزة، بعد أن أجبرت السلطات الإسرائيلية سكان غزة على النزوح. أما هيا عبد الهادي، الموظفة في منظمة أوكسفام والنازحة داخل غزة، فقد كتبت: «كل يوم عندما أذهب للنوم، لا أعرف ما إذا كنت سأستيقظ غداً أو ما إذا كان سيكون لدي عائلة». إنه العنف النفسي المنتشر في كل مكان؛ مع كل قصف لمبنى سكني أو مستشفى أو سيارة إسعاف أو مدرسة أو منشأة تابعة للأمم المتحدة، تكون الرسالة واضحة: «لا يوجد مكان آمن لك ولعائلتك، ويجب على الأمهات إخفاء هذه الملاحظة عن أطفالهن حتى يتمكنوا من النوم قليلاً، والتخفيف من قلقهم من خلال إضافة هذا العبء الثقيل بالفعل إلى أنفسهن وهو ما يصعب تصوره»[3].
واتخذ العنف الممارس ضد المراة الغزية شكل عمليات تعذيب واغتصاب وإعدام، إذ طالب خبراء مفوضون من الأمم المتحدة يوم الاثنين، في 19 شباط/فبراير الفائت، بإجراء تحقيق بعد اتهامات بإعدام واغتصاب نساء وفتيات فلسطينيات في غزة والضفة الغربية على يد القوات الإسرائيلية. وعبّر الخبراء المستقلون السبعة، الذين عينهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن «القلق إزاء الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المستندة إلى ادعاءات موثوقة». وأوضحت ريم السالم، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، أن هذا الفريق اعتمد لجمع هذه المعلومات «شهادات الضحايا وشهود العيان»، وكذلك معلومات «من منظمات مدنية أو دولية تعمل مع المدنيين»، وأضافت: «ثم قمنا بعد ذلك بمقارنة هذه المعلومات مع مصادر أخرى لتقييم مصداقيتها»[4].
ومن بين الشهادات التي تم تلقيها، أفاد الخبراء بأن نساء وفتيات «تم إعدامهن في غزة، غالباً مع أفراد من أسرهن، بما في ذلك أطفالهن»، وجاء في البيان: «قيل إن بعضهن كان يحمل قطعاً من القماش الأبيض عندما قُتل على يد الجيش الإسرائيلي». وأظهر مقطع فيديو نشره موقع «ميدل إيست آي» وتحقق منه في كانون الثاني/يناير الفائت، «امرأة تدعى هالة رشيد عبد العاطي، وهي تُقتل بالرصاص بينما كان حفيدها يرفع العلم الأبيض أثناء محاولتهما الهروب من المدينة من غزة». وإلى جانب عمليات الإعدام، نفذ الجيش الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر «اعتقالاً تعسفياً لمئات النساء والفتيات الفلسطينيات»، من بينهن مدافعات عن حقوق الإنسان وصحفيات وعاملات في المجال الإنساني. ولفتت ريم السالم إلى أن بعض المعتقلات اعتبرن «مقاتلات غير شرعيات»، مما «وضعهن خارج إطار القانون»، وأشارت إلى أن «معظمهن لم يمثلن قط أمام محكمة عسكرية»، وأن «بعض النساء تم اعتقالهن في منازلهن أو في شوارع غزة، فقط على أساس مزاعم عن ارتباطهن بحماس، من دون أي دليل»، بحيث يمكن القول إن السلطات الإسرائيلية «قامت باختطافهن». وتفيد الشهادات عن «معاملة غير إنسانية ومهينة» في المعتقلات، شملت «الضرب والحرمان من الطعام والأدوية ومنتجات النظافة النسائية»، كما «تمّ الإبلاغ عن حالة احتجاز نساء في قفص في غزة، معرضات للمطر والبرد دون طعام». ومن بين الاتهامات الأخرى الموجهة للجيش الإسرائيلي «الأشكال المتعددة للاعتداء الجنسي». ويتحدث مقررو الأمم المتحدة «عن عمليات اغتصاب زُعم أن اثنتين من المعتقلات تعرضن لها على الأقل». ووصفت معتقلات أخريات تعرضهن للإهانة والمعاملة المهينة، إذ «تم تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي الذكور».
ودعا الخبراء إلى إجراء تحقيق مستقل في هذه الادعاءات، التي قالوا إنها «تشكل جرائم خطيرة بموجب القانون الجنائي الدولي يمكن مقاضاتها بموجب نظام روما الأساسي»، وإنه «يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الصارخة، كما يحق للضحايا وأسرهم الحصول على التعويض الكامل والعدالة». بينما أكد المحامي جوهان صوفي، المختص بالقانون الجنائي الدولي، بأن من واجب إسرائيل أن تفتح تحقيقاً بشأن هذه الادعاءات، ذلك إن تقرير الأمم المتحدة هذا «يعزز التزام المحاكم الإسرائيلية باتخاذ الإجراءات اللازمة»، ويؤكد «أن المحاكم الوطنية في دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، التي التجق مواطنون تابعون لها في الجيش الإسرائيلي، من واجبها التحقيق في مزاعم الجرائم التي يرتكبها مواطنوها، بغض النظر عن موقع الجرائم المذكورة».
خاتمة
على الرغم من القرار الذي أصدرته الأمم المتحدة في 31 تشرين الأول/اكتوبر 2000 بشأن «المرأة والسلام والأمن»، وذلك بغية حماية النساء من النزاعات المسلحة وإشراكهن في عمليات السلام، فإن النساء لا يزلن أول ضحايا الحروب، ويتم استهدافن بصورة متعمدة، بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي[5]. بيد أن استهداف المرأة الغزية اتخذ أشكالاً لا سابق لها من العنف في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل حالياً على قطاع غزة، تركت تأثيراً ليس على سلامتها الجسدية والعقلية فحسب، بل كذلك على صحتها الإنجابية ودورها في الرعاية، وهو ما سيكون له تداعيات خطيرة في المستقبل.
نقلا عن مكتب الدراسات الفلسطينية