” رواد نهضويون من طرابلس” في “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب”.الدكتورة الشهال ذاكرة طرابلس تختزن الكثير من الرواد ورضوان الشهال إستثنائي

رأت رئيسة جمعية تراث طرابلس-لبنان الدكتورة جمانة الشهال تدمري أن طرابلس هي المدينة التي لا تروى في بعض الكلمات ولا تختزل في زمن.
لقد تعاقبت على مدينة طرابلس الحضارات كما تتعاقب الفصول، وتداخلت فيها الثقافات كما تتداخل ألوان فسيفسائها. الدكتورة جمانة كانت قد شاركت في الندوة التي نظمها النادي الثقافي العربي حول إصدار “رواد نهضويون من طرابلس” ضمن سياق أنشطة الدورة السادسة والستين ل ” معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” والتي شارك فيها الدكتور مصطفى حلوة، الدكتورة جمانة الشهال والأستاذ سليمان يخني وذلك في قاعة المحاضرات مركز سيسايد آرينا -الواجهة البحرية بحضور حشد من المثقفين والمهتمين،
الدكتورة الشهال لإحياء العلاقة بين طرابلس وأبنائها
وفي مداخلتها قالت الدكتورة جمانة الشهال تدمري: “طرابلس، هذه المدينة التي لا تروى في بعض الكلمات، ولا تُختزل في زمن.
طرابلس، المدينة التي عرفت الكنعانيّين والفينيقيّين، وشهدت على الرومان والبيزنطيّين، وازدهرت في ظل العرب والصليبيين والمماليك والعثمانيّين… المدينة التي تعاقبت عليها الحضارات كما تتعاقب الفصول، وتداخلت فيها الثقافات كما تتداخل ألوان فسيفسائها القديمة، وتنوّعت فيها الآثار كما تتنوّع النقوش على الابواب، والزخارف على أقواس المدارس، والضوء في زجاج النوافذ الملوّنة.
طرابلس من أين أبدأ، وأين أنتهي؟
طرابلس مدينة العلم والعلماء.
طرابلس الفيحاء وعبق زهر الليمون.
طرابلس، الأسواق النابضة بالحياة.
طرابلس، حكايا البيوت، وتعايش الجوامع والكنائس، وعبق الخانات، وصمود القلعة، وذاكرة محطة القطار.
طرابلس وأسواقها المعطّرة، وحمّاماتها الدافئة، وطرقاتها التي تمشي بك إلى الحنين.
طرابلس بمقوّماتها، ببحرها الذي يروي حكاية مرفأ استقبل العالم ذات يوم، ومصفاة تكرير النفط، ومحطة سكة الحديد ومعرض المعماري الكبير اوسكار نيماير.
وغيرها من المميزات التي لا تجدها مجتمعة في أي مدينة أخرى”.
وتابعت:” لكن ما يميّز طرابلس فعلاً، ليس فقط ماضيها، بل حاضرها. ليس فقط حجارتها، بل ناسها. ليس فقط ثرواتها، بل خصائصها. طرابلس، بما تملكه من مقوّمات ماديّة واقتصاديّة ومعنويّة وبشريّة، تستحق أن تكون عاصمةً للثقافة، للفكر، وللإبداع.
تراث غني، مادي ولا مادي، تحفظه الحجارة كما تحفظه الذاكرة، وتحمله الألسنة كما تحمله القلوب. تراث حيّ، يتجدد كل يوم في مهارات أبنائها، من الحرفيين، والفنانين، والمثقفين، ومن شخصيات وقامات مبدعة، تركت بصماتها في وجدان المدينة، ودخلت التاريخ، وصنعت الفرق.
ولذلك، لم يكن غريبا أن يتم اختيار طرابلس “عاصمة للثقافة العربية لعام 2024″،
فهذا اللقب ليس الا اعتراف مستحق بثراء هذه المدينة، وبدورها الأصيل والمنتظر في المشهد الثقافي العربي.
وبالتفاصيل، لقد كان لي شرف المشاركة، في شهر كانون الثاني من العام 2023، في الندوة التي نظمها النادي الثقافي العربي خلال فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، حول اسم استثنائي من أبناء هذه المدينة :
الفنان، الرسّام، والمفكّر المبدع رضوان الشهال. وخلال ذلك اللقاء، الذي حضره نخبة من الشخصيات، من بينهم دولة الرئيس فؤاد السنيورة، التقت الذاكرة بالحنين، وولدت فكرة مشروع إصدار كتاب يوثق سيرة شخصيات طرابلسية لن ينساها التاريخ.
انطلقت الفكرة من سؤال بسيط :
كيف نخلد إرث رضوان الشهال ونحفظ أثره من التلاشي ؟ طرابلس، بتاريخها العريق، لا تبنى فقط بالحجارة، بل أيضا بالوجوه التي صنعت مجدها، بالرجالات الذين حملوا رسالتها، ونقلوا صورتها إلى العالم.
ومن هنا، تم التوافق بين جمعية تراث طرابلس – لبنان والنادي الثقافي العربي، على توثيق ذاكرة المدينة من خلال قاماتها، لا سيما بمناسبة اختيار طرابلس عاصمةً للثقافة العربية لعام 2024.
فكانت البداية مع رضوان الشهال، ثم توسعت الفكرة لتشمل الشيخ صبحي الصالح، أحد أبرز رموز الفكر والاجتهاد في العالم العربي، على أن يتبعها توثيق لسيرة شخصيات أخرى أغنت هذه المدينة وأسهمت في مسيرتها الثقافية والفكرية. وهذا ما سيعرضه علينا الدكتور مصطفى الحلوة في كتابه “رواد نهضويون من طرابلس”.
إن الحديث عن رضوان الشهال، هو حديث عن الريشة التي ابدعت. هو من أوائل الذين مزجوا الفن بالتراث، واللون بالهوية، فوثق بحسّه الجمالي معالم المدينة، وجعل من الذاكرة الطرابلسية لوحة حية تنبض بالحياة. لم يكن فقط رساما مبدعا، بل كان مفكرا واديبا.
أما الشيخ صبحي الصالح، فهو منارة علم واجتهاد، رجل لم يحصر الدين في الإطار التقليدي، بل جعله فكرا حيا يتفاعل مع العصر. جمع بين الأصالة والمعاصرة، كان صوتا عقلانيا وسط الضجيج، وجسرا بين النص والواقع”.
وختمت:” بتوثيق هذين النموذجين، لا نكرم فقط شخصيتين، بل نوجه رسالة أعمق : أن طرابلس، رغم ما عانته وتعانيه، لا تزال أرض تنبت الجمال والفكر، وتقدم للبنان وللعالم العربي نماذج مشرقة. وما تزال طرابلس تدهشنا حتى اليوم باثارها الغنية والمخبئة التي تنتظر الانغماس فيها لاكتشافها كما حدث مؤخرا حيث تم اكتشاف اثار جديدة في جامع العطار بمناسبة ترميمه وهي دلالة ان طرابلس لم تفصح بعد عن كامل كنوزها.
وإن جمعية “تراث طرابلس-لبنان”، من خلال هذا المشروع بالشراكة مع النادي الثقافي العربي، تسعى ليس فقط إلى التوثيق، بل إلى إحياء العلاقة بين المدينة وأبنائها، بين الماضي والحاضر، بين ما كان، وما يجب أن يكون.
وقد حملت جمعية “تراث طرابلس-لبنان” هذا العمل المثمر، وهذا الجهد التوثيقي، بالشراكة مع النادي الثقافي العربي، إلى منصة دولية لتكريم مدينة طرابلس والاضاءة عليها في الخارج.
فقدمت هذه الفكرة في معهد العالم العربي في باريس هذا الصرح الثقافي المرموق جدا لتحويلها الى عمل مثمر حقيقي، خلال فعالية “Focus Tripoli” نافذة على طرابلس التي نظمت في ٢٢ و٢٣ و٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٤، بالشراكة مع المعهد وسط ترحيب وتقدير من
رئيس المعهد وزير الثقافة السابق السيد جاك لانغ
والمدير العام السيد شوقي عبد الامير ويشرفنا حضوره بيننا اليوم وهو الذي كان له كلمة مؤثرة جدا حول طرابلس في المعهد،
لتكون هذه المبادرة الثقافية تحية إلى طرابلس من قلب فرنسا، واحتفالا بها كعاصمة للثقافة العربية، بالطريقة التي تستحقها فعلا.
فاننا على يقين ان الحفاظ الحقيقي على التراث لا يكون إلا عبر حفظ الذاكرة، وتكريم الرموز، وصون الموروثات، والبناء عليها. فكما لا مستقبل بلا حاضر، لا حاضر بلا ماضي موثق ومقدر.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جمعيّة “تراث طرابلس – لبنان” سعت، بكل جهد وحرص، إلى توثيق الإرث الكامل للفنان رضوان الشهال من أعمال فنية وأدبية وفكرية وشعرية وكاريكاتورية في كتاب خاص يخلد مسيرته ويضيء على إبداعه.
لكن، وخلال عملية البحث في الأرشيف، تبين لنا بكل أسف أنه كان قد أهدى معظم أعماله إلى الأهل والأصدقاء، مما حال دون تنفيذ هذا المشروع كما خطط له ، رغم تعاون مؤسسة مارون عبود معنا مشكورة التي وضعت بين أيدينا أكبر عدد من الأعمال التي نفذها رضوان الشهال ضمن تعاونه مع المؤسسة التي يرأسها حاليا الإعلامي وليد عبود.
ورغم ذلك، لم تتوقف جهود الجمعية بل تحولت إلى عمل ثقافي آخر، تمثل في إصدار كتاب نقدي توثيقي بعنوان “الفنان رضوان الشهال” يتضمّن دراسة نقديّة لأعماله أجراها الفنان والناقد الأستاذ فيصل سلطان، إلى جانب ترجمة باللغة الفرنسية أنجزتها بنفسي. وهي عازمة على إكمال البحث عن اعماله المندثرة لإحياء وتوثيق مسيرته الفكرية المهمة”.