هل ينصف العهد الجديد طرابلس؟..

طرابلس خاصرة الوطن الضعيفة، المدينة التي حملت ارقى واجمل الالقاب على مر العصور فهي
آثار: الاسم الذي يعتقد ان الفينيقيين القدماء اطلقوه على المستوطنة التي شكلت لاحقا تريبوليس الاسم الذي أعطاه الإغريق اليونانيون للمدينة عند تأسيسها في القرن الرابع قبل الميلاد وهو يعني حرفيا “المدن الثلاث”، حيث نشأت من اتحاد ثلاث مدن فينيقية قريبة هي: اللاذقية، صيدا، وعكا، وهو الأصل التاريخي لاسم “طرابلس”.
اطلق عليها المؤرخون والرحالة صفات عديدة كلها تدل على عراقتها ورقي حضارتها، فابن جبيرالرحالة الأندلسي في القرن 12م وصفها في رحلته بأنها “مدينة عظيمة المقدار، كثيرة الخلق، قديمة الأسوار”.
اما الرحالة المغربي ابن بطوطة فقد ذكرها ايضا في رحلته وأشار إلى أهميتها في القرن 14م وكثيرا ما ورد وصفها في المصادر العربية والإسلامية كما جاء في كتب المقريزي “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” و”السلوك لمعرفة دول الملوك” وابن القلقشندي في موسوعته الإدارية “صبح الأعشى في صناعة الإنشا” وكلا المؤرخين كتبا في العصر المملوكي، لذا فإن أوصافهما تعكس طرابلس في ذروة ازدهارها وإعادة بنائها بعد دمار 1289م على يد السلطان قلاوون، حيث ورد عنهما وصفها بانها حصن منيع اشارة الى القلعة والأسوار كموقع دفاعي استراتيجي ومركز تجاري وصناعي حيوي حيث اشادا بمينائها، وأسواقها، وصناعاتها الرائجة كالسكر، الصابون وغيرها، كما اشارا الى انها شكلت نيابة مملوكية مهمة اداريا وعسكريا كولاية رئيسية في الشام، والى عمرانها المتطور من حيث اتساعها، ووجود مرافق عامة من مهمة فيها كالمساجد، المدارس، الحمامات، والخانات.
كما تحدثا عن غنى وخصوبة تربتها ووصفاها بأنها منطقة غنية بالموارد الزراعية والصناعية، وانها كثيرة السكان، وهو ما جعلها تنال لقب “الفيحاء” في تلك الفترة، مما اكد مكانتها كإحدى أهم حواضر الشام الاقتصادية والعسكرية. وقد وثقت كتاباتهما بشكل دقيق الدور المحوري الذي لعبته المدينة في مملكة المماليك.
لقبت بمدينة العلم والعلماء لكثرة مدارسها ومتعلميها ومكانتها كوجهة لكسب العلم والمعرفة.
في العصر الحديث لقبت طرابلس عاصمة الشمال اللبناني وهو ما يعكس دورها الإداري والاقتصادي والثقافي المركزي في شمال لبنان، كما عرفت بالعاصمة الاقتصادية الثانية للجمهورية اللبنانية لما لها من دور اقتصادي يبرز مكانتها التجارية والصناعية الحيوية بعد العاصمة بيروت، واهمية مرفئها وتميزه بأنه الحوض الأعمق على ساحل المتوسط، كما ووجود مطار القليعات الذي لم يعد خافيا انه يمكن ان يكون مطارا مهما على مستوى الوطن.
ماذا قدمت العهود المتوالية منذ الاستقلال حتى اليوم لطرابلس؟
المدينة الافقر على حوض المتوسط هو اللقب الجديد لطرابلس، لم تلحظ العهود السابقة اي تشريع يخدم المدينة لا بل امعنت في افقارها، لم تلحظ اي خطة لتأهيل وانقاذ آثار طرابلس مع ان آثارها الحية وقلعتها هي من الأكثر أهمية على مستوى الوطن، لم تدرج طرابلس ولا في اي عهد على خارطة السياحة اللبنانية.
ان أول شركة خاصة للكهرباء في لبنان انشئت في طرابلس وهي شركة كهرباء قاديشا وكانت في عهدها طرابلس تنعم بالكهرباء والصيانة ٢٤ ساعة في اليوم على مدار السنة وحتى في اسوأ الظروف المناخية والامنية حتى تسلمت الدولة اللبنانية ادارتها فأصابها الاهمال وتحولت الى مؤسسة عاجزة وغضت الدولة النظر عن مافيا المولدات الخاصة حيث ان طرابلس هي المدينة الوحيدة في لبنان التي لا يلتزم فيها اصحاب المولدات بالتسعيرة التي تصدرها الدولة.
هذا اذا ما اضفنا ما دأبت عليه كل العهود على تهميش مرافق طرابلس الحيوية فكيف نفسر عدم اعتماد السلطات اللبنانية بعد انفجار مرفأ بيروت لمرفأ طرابلس مع انه المرفأ الأهم على المتوسط من حيث عمق حوضه وموقعه الاستراتيجي كمرفأ بديل لحين اعادة اعمار مرفأ بيروت.
وكيف نفسر اعتماد مركز التفتيش والتخليص الجمركي حصريا في مرفأ بيروت المحطم وعدم قيام الحكومات والعهود المتتالية بأي خطوة لتأهيل مركز للتخليص الجمركي في طرابلس.
حتى الجامعة اللبنانية في طرابلس لم تكن محط اهتمام الدولة وتم حصر بعض الاختصاصات المهمة كالطب وطب الاسنان والصيدلة في فروع بيروت دون سواها مع ما يستتبع ذلك من حرمان شريحة كبيرة من ابناء طرابلس الغير قادرين على الانتقال الى العاصمة بسبب التكاليف من هذه الاختصاصات المهمة.
لم يعمد اي من العهود التي توالت الى انصاف طرابلس لم تقدم اي تسهيلات او خطط لانعاش المدينة او انمائها فكيف يستطيع اي مستثمر او متمول من تأسيس اي مشروع صناعي او زراعي لخدمة المدينة وابنائها في ظل بنى تحتية متهالكة وعدم وجود اي خطط لتشجيع الاستثمار كتأمين الكهرباء بسعر مخفض او تشريع الاعفاء الضريبي للمشاريع الناشئة؟
اما مطار القليعات فقد تعمدت هذه العهود اغفاله مع علمها بما يمكن ان يؤمن من انماء للشمال وفرص عمل لابنائه بالرغم من المطالبات الحثيثة لتأهيله واعتماده كمرفق حيوي للمنطقة.
حتى العهد القوي الذي كان الأسوأ على مستوى الوطن كان تأثيره ابلغ على طرابلس المنهكة اصلا بسبب تفاقم الاهمال فكان الظلم الذي لحق بها بسبب تعيين موظفين عير كفوئين لادارة شؤونها فعمت الفوضى المدينة واختل الامن وضعفت المجالس البلدية ولولا وقوف ابناء الشمال في وجه قرارات العهد القوي لانشاء مكبات لنفايات لبنان في طرابلس وعكار لكانت المصيبة اكبر.
وآخر انجازات بقايا العهد القوي كانت الفوضى التي رافقت الانتخابات الأخيرة وجعلت معظم اهل المدينة غير واثقين بنزاهتها.
الحلول موجودة وواضحة والانماء بحاحة الى قرار جريء باعطاء طرابلس حقها من الاهتمام وكف يد المستفيدين الذين يحمون الفاسدين وانهاء الظلم اللاحق بها من جراء تصويرها على انها حاضنة المتطرفين فأهل طرابلس بمعظمهم شرفاء ومكافحين، مؤسساتها الثقافية تحتضن خيرة ابناء الوطن، وجمعياتها الاهلية نشيطة مع قلة الامكانيات المتاحة.
ابناء طرابلس بحاحة الى من يؤمن لهم فرص عمل تضمن لهم العيش بكرامة، وتعيد ابناءهم الى مقاعد الدراسة.
المدينة تزخر بطاقات علمية وبشرية واقتصادية ولكنهم بحاحة الى دعم دولتهم وايمانها بهم، طرابلس بامكانها ان تكون رافعة للوطن بأكمله فهل من منصف لها؟