العلامة الخطيب : التضامن والوحدة الوطنية أهم اسس القوة الى جانب الجيش والمقاومة الشريفة والعصية على المعتدين

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة قال فيها:
قال تعالى في كتابه العزيز:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾، صدق الله العلي العظيم.
مبارك للمؤمنين هذه المناسبة التي تمّت فيها البيعة لأمير المؤمنين (ع) من المسلمين ممن شهد الاجتماع الذي دعا اليه رسول الله (ص) بعد الفراغ من أعمال الحجّ وسُمِيَ بحجة الوداع، حيث دعاهم الرسول (ص) للاجتماع في منطقة تُسمّى بغدير خم، مفترق طرق الحجيج الى بلدانهم. وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة بعد أن حاول تنفيذ هذا الامر في مكة المكرمة، فلم يتمكّن نتيجة قيام البعض ممن علم من سياق الامور بنية النبي (ص) بالإبلاغ بشكل رسمي، وأمام الجمع الغفير ممن وفد الى مكة ليشهد مع النبي (ص) حجّه الأخير، حيث استنفرهم بالحضور وحضَّهم عليه بغية إبلاغهم وصيته الأخيرة.
أضاف :” لقد كانت النية أن يكون الابلاغ في مكة، ولكن هذا البعض الذي علم كما قلنا من سياق الامور أن النبي (ص) دعا الى تحويل ما كان يُردّده في غير مناسبة عن مصير الامور بعده، وعن موقع عليّ فيها، وانه خليفته والقائم بالامر من بعده، الى الاعلان عن ذلك بشكل رسمي ونهائي.
فلذلك قام هؤلاء بإثارة اللغط والفوضى مما حال دون رسول الله (ص) والقيام بهذه المهمة. وقد أوحت له هذه الحركة بثقل هذه المهمة وصعوبة القيام بها وأشعرته بالخوف من الاجواء التي حُرّكت لمنعه من ذلك، فنزلت الآية المباركة تأمره بالامتثال للأمر الإلهي، وألا يخاف مما يُخطط له المتآمرون، مُبيّناً له ان الامر يستحق لأنه بحجم الرسالة، لذلك دعا الى الاجتماع في غدير خم وخطب خطبته الشهيرة وعقد فيها البيعة بشكل عملي لأمير المؤمنين (ع) حيث وقف الجميع فيها صفوفاً، واحداً بعد الاخر، على علي في خيمة نُصِبت له بأمر من النبي (ص) يبايعونه فيها بعبارة “بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه”، وتم الاعلان الالهي الرسمي عنها بهذه الآية المباركة التي نزلت بهذه المناسبة (اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا).
لقد عبَّرت هذه الآية المباركة بنصّ جليّ وصريح غير قابل للتأويل ان ولاية عليّ (ع) جزء من الدين وان تمامه كان بها.
وقد احتفى بها رسول الله (ص) بهذا الاجتماع المهيب الذي عقد في غدير خم، والذي بلغت جموعه ما يزيد عن مئة الف، ولا ينقص عن سبعين.
ومن هنا كان اهتمامنا بهذا اليوم واحتفاؤنا به أولاً لأن به تمَّ الدين، وثانياً تِبعا لسنّة النبي (ص)، وثالثاً لأننا مخاطبون بأن نبايع عليّاً كما بايعه الاولون في غدير خم. فقد حمَّلهم رسول الله (ص) ان يُبلّغ الشاهد منهم الغائب فقال (فليبلغ الشاهد منكم الغائب) فهو ليس أمراً مخصوصاً بهم، بل هو جزء أتمّ الله به الدين”.
فالإيمان بالدين لا يتم الا بالكل معاً ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
لذلك فنحن مكلّفون بالاحتفال بهذا اليوم في كل عام، لنؤكّد هذه البيعة التي هي في أعناقنا لعلي ابن ابي طالب (ع) ونُجدّدها عند حلول هذه المناسبة في كل عام استجابة لأمر الله تعالى ورسوله (ص).
لقد كانت مناسبة الغدير تتويجاً لما كرَّره رسول الله (ص) بمناسبة وغير مناسبة، لموقعية علي (ع)، ليس لأنه ابن عمه ولقرابته الدموية منه، وإنّما لما يتمتع به من مواصفات اعترف له بها خصماؤه، أهَّلته لأن يكون في هذا الموقع بأمر الله تعالى، وليس باختيار شخصي بميل من هوىً او عصبية. فهو بنصّ الكتاب معصوم لا ينطق عن الهوى، إن هو الا وحي يوحى، وقد عبَّر علي نفسه (ع) عن الاسى حينما جعلوه واحداً من ستة في الشورى فقال: (فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ حتى صِرت كأحدهم)”.
وتابع :”في هذه الأيام المباركة، نتوجّه بالتهنئة والتبريك لشعبنا الذي تعرّض لعدوان كبير وما زال يعيش خارج بيوته نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر، وما يحدث في فلسطين المحتلة وغزة من مجازر أمام أعين الأمم المتحدة وأعين العالم دون أن يصدر عنه ما يوقف هذا العدوان، وعلى العكس من ذلك دفعت القوى الكبرى العدو الإسرائيلي الى شنّ عدوان غادر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية طال بناها التحتية المدنية في مخالفةٍ صريحةٍ لميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية”.
ورأى “إنّ الجمهورية الاسلامية، أثبتت اليوم لكل من له عين أو أذن صدق شعاراتها وما تقوم به، وانه خدمة لشعوبنا، لتتحرّر من الأسر والظلم الذي تعاني منه جراء النفوذ الغربي، ودعمه للعدو الاسرائيلي ليكون يده التي تبطش وتقتل وتنهب وتبيد كما هي الصورة بيّنة وواضحة وضوح الشمس في غزة”.
وقال :”لقد آن لشعوبنا العربية والاسلامية التي ضُلّلت كفاية في الماضي، أن تدرك أن الجمهورية الاسلامية الايرانية إنما تدفع ثمن مواقفها المخلصة والداعمة للقضية الفلسطينية وللشعوب العربية والاسلامية ولاستقلال قرارها وعدم ارتهانها وخضوعها للغرب، والنموذج في الاستقلال والشعور بالكرامة الوطنية والإسلامية”.
واستطرد العلامة الخطيب :”إنّ إيران ستبقى عصية على التطويع فضلا ًعن السقوط لأنها على حق، وانما يسقط المبطلون والمضللون وعمي البصائر الذي يقادون كما تقاد البعير.
إن القوة المادية التي يستند عليها الغرب وتُعبّر عنها الولايات المتحدة بهذا الصلف والعتو والعنجهية واللاأخلاقية، لن تخيف اليوم الجمهورية الاسلامية وقيادتها بالتهديد بالاغتيال، كما لم يخفها من قبل استخدام الأساليب القذرة كما يقرون اليوم باستهداف القيادات بالمباشر او عبر عملائه، ولن يثنيها التهديد بضربها باستخدام النووي عن الاستمرار في الدفاع عن كرامتها الوطنية والدينية، كما هو حال عملائها الذين داستهم بأقدامها بعد ان استخدمهم في ضرب شعوبهم واوطانهم.
فإيران تُسطّر اليوم أعظم مواجهة في مواجهتهم دون احلاف دولية، بل اعتماداً على الشعور بالكرامة وعلى استقلالها، وما حقَّقه ابناؤها من إنجازاتٍ علميةٍ وأسلحة فتاكة تُدمّر جبروت اعدائها وقواعدهم العسكرية في فلسطين المحتلة، انتقاماً لما سفكوه من دماء الأطفال والنساء في غزة العزة، وما أحدثوه من فساد ودمار للدور والمساكن والمدن والقرى والأرياف ما أفرح قلوب شعوبنا.
ونسأل الله تعالى أن يكون في ذلك الفرج لهم وان يقر أعيننا بالنصر القريب العاجل، (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ) ، (اصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).”.
ووجه الخطيب الى “اللبنانيين أصحاب العقول الحية والمنفتحة”، التحية، الذين وقفوا مع بلدهم ودفاعا عن كرامتهم، الشرفاء الذين لم يمدوا يد العمالة لمن اعتدى عليهم واحتل ارضهم، ولم ينطلقوا في مواقفهم من منطلقات عصبية طائفية او مذهبية، بل من منطلقات وطنية وانسانية من أي طائفة كانوا ولأيّ مذهب انتموا، الذين لا يدفعهم انتماؤهم الطائفي والمذهبي الى الحقد والتآمر على من يجمعهم بهم الحسّ الوطني والقيمي والأخلاقي، وهم الاكثرية من ابناء وطننا العزيز لبنان، الذين رفضوا نزع سلاح المقاومة والعدو ما زال يعبث بالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية وينتهك السيادة اللبنانية ويمارس القتل والإرهاب..
التحية لهؤلاء، والى مزيد من التضامن الوطني والوحدة الوطنية التي هي اهم اسس القوة الى جانب الجيش اللبناني الوطني والمقاومة الشريفة والشجاعة والبطلة والعصية على المعتدين”.
وختم :”والتحية للجمهورية الاسلامية ولقيادتها الشجاعة والحكيمة ولشعبها المخلص والمضحي، وللشهداء قادة وعناصر ولعوائلهم الكريمة، طبتم وطابت نفوسكم بنصر قريب.. إنهم يرونه بعيدا ونراه قريباً”.