الحكومة ترحّب بالخطة وتؤكّد الحق بالدفاع 

الحكومة ترحّب بالخطة وتؤكّد الحق بالدفاع 

صبّت جلسة مجلس الوزراء ماء بارداً على الأجواء الساخنة التي سبقت ورافقت انعقادها، وهوّلت بتدحرج الأمور صعوداً نحو تصعيد خطير، يعمّق الإنقسام الداخلي ويُشعل فتيل المساس باستقرار البلد والإخلال بسلمه الأهلي. وجاء قرارها بالاكتفاء بأخذ العلم بخطّة الجيش لحصر السلاح والترحيب بها، مع ترك تنفيذها وفق تقدير الجيش بحسب إمكاناته المادية واللوجستية، ومن دون التقيّد بمهلة زمنية محدّدة. لينحى بالأمور الداخلية في الإتجاه المعاكس لأجواء التشنّج التي تحكّمت بلبنان على مدى الفترة التالية لقراري الحكومة المتعلقين بسحب سلاح «حزب الله» والورقة الأميركية. ويعيد فتح الباب أمام إعادة تنقية الأجواء السياسية، ومدّ الجسور الداخلية التي تصدّعت جراء القرارين. والأهم في ما قرّرته الحكومة بالأمس، هو الإعلان بصورة غير مباشرة، عن تحرّرها من الورقة الأميركية، وتجميد الموافقة عليها، وترك نفاذها رهناً بالتزام الأطراف الأخرى بها. مع التشديد بصورة واضحة على «حق لبنان في الدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة».

عملياً، مرّ قطوع السلاح، وأمّا العين فعلى المرحلة التالية، وما سيتبدّى فيها داخلياً وخارجياً، وإذا كانت لما قرّرته الحكومة في جلسة الأمس مفاعيله الداخلية، بين فريق قد يبدو انّه خسر رهانه على استكمال الحكومة لقرار سحب السلاح ومضيّها فيه حتى ولو تطلّب ذلك استخدام القوة، وبين فريق قد يعتبر نفسه رابحاً، وتمكّن من إحباط الضغوط الكبرى التي مورست لفرض سحب السلاح. وهو أمر قد يفتح شهية المنابر والمنصات ومواقع التواصل الاجتماعي على سجالات وتنمّر سياسي وغير سياسي حول هذا الامر. الّا أنّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، هو عن الارتدادات الخارجية الإقليمية والدولية لما قرّرته الحكومة، وتحديداً الموقف الأميركي الذي يؤكّد على التسريع في سحب السلاح.

وفي السياق الأميركي، تجدر الإشارة إلى موقف أولي نُقل عن مسؤول أميركي، اعتبر فيه أنّ قرار الحكومة يبدو ايجابياً نسبياً، ولكن يبقى الترقّب لما ستقدّمه خطة الجيش. وكان لافتاً في هذا السياق ايضاً ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين من تحذير «من أنّ الوقت ينفد أمام زعماء لبنان لنزع سلاح «حزب الله».

وبحسب الصحيفة، فإنّ المسؤولين الأميركييّن يرون أنّ «لبنان يمرّ بلحظة حرجة في تاريخه». وأبدى المسؤولون خشيتهم من أن «تتراجع الحكومة اللبنانيّة عن مواجهة مُحتملة مع «حزب الله».

وأضافت «نيويورك تايمز»، أنّ المسؤولين الأميركيين حذّروا من أنّ «التقاعس بشأن «حزب الله» قد يدفع الكونغرس الأميركيّ إلى قطع 150 مليون دولار سنويّاً للجيش اللبنانيّ».

بري: الأجواء إيجابية

ما صدر عن الحكومة في جلستها أمس، كانت له أصداؤه الإيجابية في عين التينة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري. ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، اكتفى بكلمتين معبّرتين وتنطويان على دلالة مهمّة حيث قال: «الأجواء إيجابية».

تغليب منطق التبريد

إلى ذلك، أكّدت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»، أنّ ما حصل بالأمس، جاء نتيجة حركة اتصالات توزعت في الأيام الاخيرة في اتجاهات مختلفة، ولاسيما على المستويات الرئاسية، وعكست في مجملها تغليباً لمنطق تبريد الأجواء واحتواء الأزمة المستجدة، بالشكل الذي يحفظ ماء وجه الحكومة وسائر الاطراف. وتمّ التوافق على هذا المخرج الذي تضمّنه البيان الصادر عن مجلس الوزراء.

اتصالات

ولفتت المصادر عينها، إلى أنّ اكثر ما ساهم في دفع الأجواء في هذا الاتجاه هو الاصطدام بتخلّي الجانب الأميركي عن ورقة توم برّاك، وعدم الإيفاء بالوعود التي قُطعت للجانب اللبناني بحمل إسرائيل على تقديم خطوات إيجابية مقابلة للإيجابيات التي قدّمها لبنان. حيث باتت السلطة التنفيذية بشقيها الرئاسي والحكومي محرجة في كيفية مقاربة الامور واستكمال تنفيذ قراري 5 و7 آب، وخصوصاً انّ الجانب اللبناني تُرك لوحده، وصار مطالباً بخطوات من طرف واحد، دون إلزام إسرائيل بأي خطوة مقابلة. وتنقل عن مسؤول كبير قوله امام زواره في الفترة الأخيرة: «وعدونا بالكثير، ولم نرَ شيئاً، ثم يأتون إلينا ويقولون لنا مبروك .. مبروك على ماذا، فيما هم لم يقدّموا شيئاً، بل يطلبون منا امراً تعجيزياً بسحب السلاح، علماً انّ هذا السلاح عمره اكثر من أربعين سنة، وطيلة هذه الفترة لم يتمكنوا من سحبه. ثم يأتون الينا ويطلبون منا أن نسحبه خلال ثلاثة اشهر، ولا يوجد لدينا ولو الحدّ الأدنى من الإمكانيات للقيام بهذا الامر».

الرابح لبنان

إلى ذلك، كان اللافت للانتباه هو التعاطي الهادئ من قبل ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» مع ما قرّرته الحكومة، خلافاً لما كان عليه الوضع الذي بدا فيها الشارع مأزوماً ومحتقناً بأعصاب مشدودة وأنفاس محبوسة، وبحديث عن تحضيرات لحراكات اعتراضية في الشوارع إذا ما جاء قرار الحكومة مكمّلاً لقراري 5 و7 آب. وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «ما يسري على قراري سحب السلاح والموافقة على الورقة الأميركية غير الميثاقيين، يسري على قرار الحكومة في جلسة الجمعة، حيث وإن كان يمكن اعتباره قراراً معاكساً للقرارين السابقين، فهذا لا يغيّر في كونه قراراً غير ميثاقي. ولكن بصرف النظر عن ذلك فما خرجت به الحكومة البارحة، يشكّل تراجعاً عن منطق الحدّة والتحدّي».

ورداً على سؤال قال المرجع عينه: «المسألة ليست مسألة رابح وخاسر، ففي الأزمة إن تفاقمت، فإنّ كل اطرافها خاسرون، الرابح فيها خاسر والخاسر فيها خاسر. نحن أمام وضع ينبغي أن نبحث فيه كيف يربح لبنان ونربح معه، لا أن نخضع لرغبات او إملاءات من هنا وهناك لغير مصلحة لبنان. وبالتالي من الجيّد، والأمر الذي يبعث على الارتياح، هو العودة إلى التزام القواعد التي ينبغي أن تشكّل نقطة إجماع، أي إلى التمسك بالقرار 1701 وباتفاق وقف اطلاق النار، والتأكيد على العدوانية الإسرائيلية وعدم التزامها بهذا الاتفاق وبكل المواثيق، وتأكيد العمل وفق مندرجات خطاب القَسَم والبيان الوزاري للحكومة، وتأكيد حق لبنان في الدفاع عن نفسه وفق المواثيق الدولية».

واضاف: «مثل هذا الكلام كان يجب التأكيد عليه قبل الإنجرار إلى القرارين الخلافيين مطلع آب الماضي، لكان وفّر على البلد الجو الخطير من التوترات التي نشأت منذ ذلك الحين. كان على مثل هذا الكلام أن يُقال آنذاك. ولكن في مطلق الأحوال أن تأتي متأخّرة خير من الّا تأتي أبداً. ويؤمل بعد هذا المستجد، أن تعود الامور الداخلية إلى وضعها الطبيعي، وخصوصاً على مستوى السلطات».

مخاوف من تصعيد

الّا انّ مصدراً سياسياً اكّد لـ«الجمهورية»، أنّ ما قرّرته الحكومة قد لا يلبي المطالبات الحثيثة الأميركية وغير الأميركية بالسحب السريع لسلاح «حزب الله»، ومن هنا قد لا يكون ردّ الفعل الأميركي ايجابياً. وهنا ينبغي الحذر من أن ينحى العامل الإسرائيلي إلى مزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة.

الجلسة والبيان

وكان مجلس الوزراء قد انعقد في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، بحضور رئيس الحكومة والوزراء، حيث أقرّت الحكومة عدداً من البنود العادية. وسرعان ما انسحب وزراء الثنائي الأربعة وتبعهم الوزير الخامس فادي مكي، فور طرح بند حصرية السلاح للنقاش، وقبل أن يبدأ قائد الجيش العماد رودولف هيكل بعرض الخطة التي أعدّها الجيش. حيث قال مكي في تصريح: «إنّني سعيت، بقدر ما أُتيح لي، إلى تجاوز العقبات، وكنت من الداعين إلى مناقشة خطة الجيش وترك موضوع المهلة الزمنية لتقدير قيادته. هذه المؤسسة التي نجلّها ونحترمها ونعتبرها الضامن لوحدة الوطن وسيادته. غير أنني، أمام الوضع الراهن وانسحاب مكوّن أساسي، لا أستطيع أن أتحمّل مرّة أخرى وزر قرار كهذا، وقرّرت الإنسحاب من الجلسة. كما أنّني في معرض حديثي في الجلسة، قلت إنّه إذا كانت استقالتي من الحكومة تحقّق المصلحة الوطنية، فأنا على استعداد أن أضع هذه الاستقالة بتصرف الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام».

وختم قائلاً: «أدعو مجددًا الوزراء والمرجعيات السياسية إلى مناقشة الخطة تحت سقف البيان الوزاري الذي توافقنا جميعاً عليه، لجهة حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها، برويّة وتأنٍ، ووضع مصلحة الوطن، والجنوب، والسلم الأهلي فوق أي اعتبار آخر».

وعلى الرغم من خروج الوزراء الشيعة الخمسة، استكمل مجلس الوزراء الجلسة، واستمرت لما بعد السادسة مساء، تلا بعدها وزير الإعلام بول مرقص المقررات الرسمية حيث قال: «إنّ مجلس الوزراء استمع إلى خطة الجيش لحصر السلاح، ورحّب بها، وقرّر الإبقاء على مضمون الخطة ومداولاته في شأنها سرّية، على أن تقدّم قيادة الجيش تقريراً شهرياً لمجلس الوزراء في شأن خطة حصر السلاح».

وتلا مرقص قرار مجلس الوزراء، وفيه: «إنّ الورقة التي حمل مسودتها الأولى الموفد الأميركي السفير توم برّاك، والتي تسلّمها لبنان رسميًّا بصيغتها النهائية بعد التعديلات المشتركة عليها بتاريخ 4 آب 2025، وأقرّ مجلس الوزراء أهدافها في جلسته المنعقدة بتاريخ 7 آب 2025، قد حدّدت في مقدّمة هذه الأهداف، تأمين استدامة وقف الأعمال العدائية، بما يشمل وقف الخروقات البرية والجوية والبحرية، من خلال خطوات منظمة ومضمونة نحو حل دائم وشامل. وقد استندت الورقة في جوهرها إلى مبدأين أساسيين: أوّلهما تلازم وتزامن الخطوات من جميع الأطراف كضمانة لحسن النوايا وسلامة التنفيذ؛ وثانيهما أنّ نفاذها مشروط بموافقة كلٍّ من لبنان وإسرائيل وسوريا على الالتزامات الخاصة بكل منها». أضاف القرار: «من منطلق الحرص على إتاحة كل الفرص لتحقيق الأهداف التي نصّت عليها الورقة، ولا سيما ما يتصل بوقف الأعمال العدائية وبتحرير الأرض والأسرى وتثبيت وضع حدودي مستقر ودائم وإطلاق ورشة إعادة الإعمار، اتخذ لبنان، من طرف واحد، خطوتين أساسيتين: إقرار أهداف الورقة في مجلس الوزراء، وإعداد الجيش اللبناني للخطة الكاملة والمفصّلة لبسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة بقواها الذاتية حصراً. غير أنّ الجانب الإسرائيلي لم يُبدِ حتى الآن أي التزام بمضمون الورقة، ولم يتخذ خطوات مقابلة، على الرغم من وضوح ما أنجزه لبنان».

وتابع: «إنّ لبنان يوضح أنّ أيّ تقدّم نحو تنفيذ ما ورد في الورقة يبقى مرهوناً بالتزام الجهات الأخرى، وفي مقدمتها إسرائيل، كما نصّت الفقرة الختامية للورقة ذاتها، ويكرّر لبنان مجدداً طلبه، المنصوص عنه في الورقة نفسها، إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، للاستمرار في الدعم والتيسير لتطبيق مضمونها كاملاً»، في حين «تلتزم الحكومة اللبنانية وفقاً لخطاب القَسَم والبيان الوزاري، إعداد استراتيجية أمن وطني، وذلك في سياق تحقيق مبدأ بسط سيطرة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصرية السلاح بيد الدولة، وتؤكّد حق لبنان بالدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة».

ورداً على سؤال قال مرقص: «الجيش اللبناني سيباشر بتنفيذ خطة حصر السلاح وفق الإمكانيات المتاحة. وقائد الجيش عرض التقييدات المتعلقة بالخطة التي تتعلق بالجيش نفسه والمعوقات التي تضعها إسرائيل نفسها»، مضيفًا: «الجيش سيتحرّك بالإطار المقرّر له في جلسة 5 آب، لكن للجيش حق التقدير العملاتي».

وردًا على سؤال بشأن تقديم تنازلات لإسرائيل: «لم ولن نقدّم تنازلات، والحكومة لم تقدّم تنازلاً بشأن خطة بسط السيادة وتمضي فيها دون التسبب بانفجار الوضع الداخلي».

Spread the love

adel karroum