الدور والموقع في عالم السياسة قراءة ورسالة لكل الساسة

الدور والموقع في عالم السياسة قراءة ورسالة لكل الساسة

بقلم: د. عبدالرزاق القرحاني

في عالم السياسة لا يكفي أن تكون في موقع متقدّم لتكون مؤثراً، ولا أن تمتلك القوة لتصبح فاعلاً.

فالذي يصنع القيمة الحقيقية ليس الموقع الذي تشغله، بل الدور الذي تؤديه.

الموقع يمكن أن يُمنح أو يُورَّث أو يُفرض، أمّا الدور فلا يُكتسب إلا برؤية وإرادة وإدارة.

الموقع في السياسة هو ما تمنحه الظروف وهو نقطة الانطلاق، لكنه ليس بالضرورة محور حركة فيها شقاق ونفاق.

وهذا ما ينطبق على الأفراد والجماعات والدول..
فكم من مكونات سياسية ودول تمتلك مواقع استراتيجية ، غابت عن صناعة القرار لأنها حبست نفسها في الحسابات الداخلية، أو تاهت في صراعات النخب والولاءات.

الموقع أشبه بالكرسي في قاعة الاجتماعات، يمنحك الحق في الجلوس، لا الحق في التوجيه.

الدور هو ما يجعل من كل فرد أو مجموعة أو دولة لاعباً لا متفرجاً.
هو القدرة على المبادرة، وصياغة المواقف، وصناعة التوازنات في محيط مضطرب.
الدور يُقاس بما تضيفه إلى المشهد، لا بما ترثه من مواقع والقاب وموارد ومقعد.

من هنا، نرى مكونات ودولاً صغيرة بحجمها لكنها كبيرة بدورها.

وفي المقابل، نرى بيوتاً سياسية ومكونات ودول ذات فاعلية وموارد ضخمة، فقدت دورها عندما غاب عنها القرار الموحد والرؤية الواضحة.

حتى القوى الكبرى في هذا العالم، لا تكتفي بالموقع ، بل تحافظ على دورها عبر المبادرة المستمرة. وحين تتراجع المبادرة أو تتصدع الرؤية، يتراجع دورها رغم ثبات موقعها…

التاريخ لا يخلّد من جلس في موقع، بل من صنع أثراً بدور ساطع.
الدور هو الذي يمنح الموقع معناه، وهو الذي يحمي القادة والاحزاب والدول من الذبول السياسي حتى في زمن التحولات الكبرى.

فحين ننشغل بالمواقع فقط، نصبح رهينة حدودها.
أما حين نسعى إلى الدور، فإننا نتجاوز حدود المواقع لنصنع لأنفسنا ومكوناتنا ودولنا مكاناً في التاريخ قبل أن نصنعه في الجغرافيا.

الموقع هو ما نملكه، والدور هو ما نفعله بما نملكه.
الأول يعطينا الحضور، والثاني يمنحنا قيمة تحلق كالصقور.

الافراد والمكونات والدول التي تفهم هذا الفارق، تعرف كيف تحافظ على توازنها وسط العواصف، وكيف تحوّل كل تحدٍّ إلى فرصة لبناء نفوذ مستدام.
أما الذي يخلط بين المقامين، فسرعان ما يجد نفسه في موقع ثابت… لكن بدور غائب.

Spread the love

adel karroum