التقرير الاقتصادي لبنك «عوده» للفصل الثالث 2023: في سبيل احتواء الأزمة ونقل الاقتصاد نحو برّ الأمان

التقرير الاقتصادي لبنك «عوده» للفصل الثالث 2023: في سبيل احتواء الأزمة ونقل الاقتصاد نحو برّ الأمان

صدر التقرير الاقتصادي لبنك “عوده” عن الفصل الثالث من العام 2023 بعنوان “في سبيل احتواء الأزمة ونقل الاقتصاد نحو برّ الأمان”،  أبرز ما ورد فيه: “مع بداية الفصل الرابع من العام 2023، اندلع صراع عسكري غير مسبوق في المنطقة والذي نجم عنه خسائر بشرية جسيمة وسط احتمالات بأن يكون له ارتدادات على منطقة الشرق الأدنى بشكل عام. إنّ أي توسّع للصراع نحو الأراضي اللبنانية يمكن ان يترتّب عنه خسائر اقتصادية جسيمة وتداعيات سلبية لافتة على الأوضاع المالية والنقدية الداخلية. إذ من المرجّح أن يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الحالي والناتج المحتمل تحقيقه والتي تبلغ في الوقت الراهن نحو 70%، إضافة إلى تفاقم التضخم الذي وصل حالياً إلى نحو 250%، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والتي تتجاوز اليوم عتبة الـ80% و30% على التوالي، وتآكل العملة الوطنية والقدرة الشرائية لدى الأسر بشكل عام..

فعلى الرغم من استمرار حال المراوحة السياسية الراهنة والتي تشهد تأجيلاً مستمراً للانتخابات الرئاسية اللبنانية، واقتصار اجتماعات الحكومة على الحالات الطارئة، وشلل المسار التشريعي في مجلس النواب، كان الاقتصاد الحقيقي قد استطاع أن يسجل تحسناً نسبياً في أدائه هذا العام، لا سيما خلال الصيف مع توافد أعداد لافتة من المغتربين اللبنانيين والسياح. فالإنفاق الاستهلاكي يسجّل نمواً.

فعلى صعيد القطاع الخارجي، تقلصت الصادرات بنسبة 24% سنوياً، من 2.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام 2022 إلى 1.6 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2023.
مع أن قيمة الواردات انخفضت من 10.8 مليارات دولار أميركي في الأشهر السبعة الأولى من العام 2022 الى 9.8 مليارات دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023، إلاّ أن هذا الإنخفاض لا يعبّر عن تراجع في الاستهلاك الخاص. ذاك أن انخفاض الواردات عائد بصورة خاصة الى بابَيْن اثنين: السيارات والنفط. فاستيراد السيارات انخفض بقيمة 0.6 مليار دولار لأن وكلاء السيارات كانوا قد أجروا طلبيّات مفرطة قبل الرفع المتوقَّع لسعر الدولار الجمركي. أما استيراد النفط، فتراجع بقيمة 0.6 مليار دولار لأن أسعار النفط انخفضت بنسبة 20% عن المستويات التي كانت قد بلغتها بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية. وإذا استثنينا هذين البابَيْن، نلاحظ أن أهم أبواب الاستيراد (أي المواد الغذائية، المشروبات، الملبوسات والمجوهرات إلخ…) زادت كلّها، تدليلاً على ارتفاع الاستهلاك الخاص.

إنّ تسجيل فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 1 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023 على الرغم من تقلص الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان بقيمة 1.3 مليار دولار، إنما مردّه إلى نمو الموجودات الخارجية الصافية لدى المصارف بقيمة 2.4 مليار دولار. إلا أنّ ذلك لا يدلّ على أنّ الأموال الوافدة زادت عن التحويلات إلى الخارج، لأنّ سيولة المصارف بالعملات الأجنبية لم تنمُ سوى بشكل طفيف بقيمة 0.2 مليار دولار (من 4.2 مليارات دولار إلى 4.4 مليارات دولار). بل أنّ الفائض في ميزان المدفوعات ناجم ذلك بشكل أساسي عن تراجع المطلوبات الخارجية لدى المصارف بمقدار 3 مليارات دولار (خصوصاً ودائع غير المقيمين) في أعقاب تعديل سعر الصرف الرسمي مقابل الدولار من 1507.5 إلى 15000، ذلك أنّ قسماً من مطلوبات غير المقيمين مقوّمة بالليرة اللبنانية. عليه، فإنّ الفائض في ميزان المدفوعات هذا العام هو مسألة حسابية لا غير ولا يعكس تدفقاً صافياً في الأموال. هذا وإذا اعتمدنا سعر صرف رسمي ثابت خلال الفترة، يكون ميزان المدفوعات قد سجّل عجزاً يقدّر بنحو 2 مليار دولار.

أما على صعيد القطاع المالي، فقد أقرت الحكومة مشروع موازنة العام 2024، وهي أول موازنة تقر في مهلها الدستورية منذ العام 2002. ولحظت الموازنة نفقات تقدر بنحو 301 ترليون ليرة مقابل إيرادات بقيمة 259 ترليون ليرة، ما نتج عنها عجزا مالياً يقدّر بنجو 42 ترليون ليرة، أي ما يعادل 464 مليون دولار (2.5% من الناتج المحلي الإجمالي و13.9% من النفقات). ولما كانت خدمة الدين تقدّر بنحو 15 ترليون ليرة، فإن موازنة العام 2024 تهدف إلى تسجيل عجزاً أولياً بقيمة 27 ترليون ليرة، أي ما يعادل 300 مليون دولار (1.7%  من الناتج المحلي الإجمالي).

وعلى صعيد القطاع النقدي، أشاد صندوق النقد الدولي بالسياسة التي تنتهجها حاكمية مصرف لبنان الجديدة من ناحية عدم قبولها بتمويل الدولة والحفاظ على ما تبقى من احتياطيات من النقد الأجنبي. في موازاة ذلك، لا يزال التضخم عند مستويات مرتفعة على الرغم من الاستقرار النسبي في سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية خلال الأشهر الماضية. إذ تشير آخر الإحصاءات الصادرة عن مؤسسة البحوث والاستشارات بأنّ مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفع بنسبة 245% سنوياً في أيلول 2023 بالمقارنة مع أيلول 2022.

أما على صعيد القطاع المصرفي، فقد تقلصت ودائع الزبائن من 168.4 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019 إلى 95.6 مليار دولار في نهاية آب 2023، أي بما نسبته 43%. إذ انخفضت الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية بنحو 31.4 مليار دولار خلال الفترة المغطاة لتبلغ زهاء 92.2 مليار دولار، بينما انخفضت الودائع المصرفية بالليرة بقيمة 16.4 ترليون ل.ل. لتبلغ زهاء51.1 تريليون ل.ل في نهاية آب 2023. عليه، ارتفعت دولرة الودائع من 73.4% في تشرين الأول 2019 إلى 96.4% في آب 2023. هذا وقد واصلت المصارف اللبنانية خفض رافعتها الاقتراضية منذ اندلاع الأزمة. إذ تراجعت محفظة التسليفات للقطاع الخاص من 54.2 مليار دولار إلى 8.9 مليارات دولار، أي ما نسبته 83%. توازياً، تراجع المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية من 9.03% في نهاية تشرين الأول 2019 الى 0.41% في نهاية آب 2023، بينما انخفض المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالدولار من 6.61% الى 0.03% في الفترة ذاتها.لذلك، فإنّ هذه النقاط تشكل قواسم مشتركة يجب البناء عليها للوصول إلى رؤية موحّدة وبرنامج يحظى ليس فقط بإجماع، بل بتبنّي مكوّنات السلطة السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والاغتراب اللبناني له. وقد يفتح صندوق النقد في تقريره الباب لهكذا إجماع وتبنٍّ، ويبقى على المكوّنات أعلاه تلقّف هذه الأفكار وترجمتها عمليًا ليستطيع لبنان رؤية الضوء في آخر النفق. وينهي التقرير انه “لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعاني منها لبنان، من دون اتفاق شامل مع صندوق النقد يؤمن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية الى لبنان، أكان من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة في ما بعد، والتي لن تمد يد المساعدة إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد.في هذا السياق، إن من شأن ابرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، أن يكون المدخل لوضع حدًّ للأزمة الاقتصادية والمالية التي ترزح تحتها البلاد منذ أربع سنوات، وأن يضع البلاد على سكّة النمو الاقتصادي الإيجابي، وأن يحدّ من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسَر اللبنانية بشكل عام”.

Spread the love

adel karroum

اترك تعليقاً