“الكبتاغون” يحوّل سوريا إلى دولة مخدرات
كثيرون يعرفون “شحنة الرمان” المستوردة من لبنان والتي احتوت على مخدرات وأثارت ضجة كبيرة ودفعت السعودية إلى حظر خضروات لبنان، بيد أن قليلين يعرفون أن هذا المخدر كان الكبتاغون. فما هو سره وكيف حوّل سوريا إلى دولة مخدرات؟
منذ بدء أزمة “شحنة الرمان” التي حاولت فيها الدولة اللبنانية احتواءها، تم تسليط الضوء مجددا على عمليات تهريب المخدرات من لبنان وسوريا بعد أن كشفت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية في أواخر أبريل /نيسان المنصرم أن شحنة الكبتاغون التي تم مصادرتها كان مصدرها سوريا.
سوريا.. دولة مخدرات؟
صحيفة “الغارديان” البريطانية كشفت في تقرير لها صدر الجمعة (7 مايو/ أيار 2021) كيف تحولت سوريا إلى دولة مخدرات عبر إنتاج مخدر الكبتاغون والذي يعرف بـ “فينيثيلين” وهو حبوب تعمل على تنشيط الجهاز العصبي، عبارة عن أمفيتامين معزز ما يحدث تأثيرات نفسية قوية أسرع بكثير من الأمفيتامين وحده.
وقالت الصحيفة إن قبل مصادرة السعودية لملايين من حبات الكبتاغون، أُحبطت في السابق على مدار العاميين الماضيين عمليات تهريب لهذا المخدر في الشرق الأوسط وأوروبا قدرتها الصحيفة بما لا يقل عن 15 شحنة من الكبتاغون.
ونقلت الصحيفة عن ستة مسؤولين في أجهزة شرطة واستخبارات في الشرق الأوسط وأوروبا قولهم إن كافة الشحنات كان مصدرها سوريا أو عبر الحدود اللبنانية حيث تشكلت عصابات إجرامية وزعماء ميليشيات وعصابات حدودية تصنع وتوزع كميات كبيرة من المخدرات على نطاق كبير. ونقلت عن مسؤول بارز في بيروت قوله “إن هذه العصابات خطيرة جدا. فهم لا يخافون من أي شيء. إنهم يختبئون لكن على مرأى من الجميع”.
وقالت إن الحدود بين سوريا ولبنان انعدم فيها القانون وباتت مرتعا لعمليات التهريب والتي يتورط فيها مسؤولون من الجانبين، إذ ينقل المهربون الحشيش والكبتاغون عبر طريق ممتد من سهل البقاع اللبناني ومدينة القصير السورية الحدودية والطرق شمالا عبر مناطق سيطرة العلويين باتجاه مينائي اللاذقية وطرطوس.
ووفقا لصحيفة الغارديان، فإن اللاذقية تقع تحت عيون ومراقبة كثيفة من أجهزة أمنية أمريكية وأوروبية وأجهزة الاستخبارات. ورغم هذا، وقعت بعض عمليات التهريب من المصدر، وتم إحباطها لاحقا وشملت خمسة أطنان من حبات الكبتاغون عُثر عليها في اليونان في 2019 وشحنتين مماثلتين في دبي في العام ذاته وأربعة أطنان من الحشيش تم العثور عليها في ميناء بورسعيد المصري في أبريل/ نيسان 2020 كانت ملفوفة في مواد تابعة لشركة “ميلك مان” التي كانت في ذلك الوقت يمتلكها رجل الأعمال السوري رامي مخلوف.
وقالت الصحيفة إن هناك شحنة من الكبتاغون كانت متجهة إلى السعودية مخبأة في أوراق الشاي، فضلا عن عمليات مصادرة وقعت في رومانيا والأردن والبحرين وتركيا.
وفي يوليو/ تمُّوز من العام الماضي، أعلنت إيطاليا مصادرة أكبر شحنة من مخدر الكبتاغون على مستوى العالم إذ تبلغ 14 طنا وتقدر قيمتها بمليار يورو في مرفأ ساليرنو جنوب مدينة نابولي. وكانت المخدرات موجودة في حاويات مشبوهة تتضمن لفائف أوراق معدة للاستخدام الصناعي وعجلات حديدية.
وتقول الصحيفة إن المسؤولين الإيطاليين ألقوا باللائمة في بداية الأمر على مسلحي داعش إذ اتهموا مسلحي التنظيم بتصنيع حبوب الكبتاغون التي تم مصادرتها.
لكن في ديسمبر/ كانون الأول وبعد مزيد من التحقيق، تم تحويل الاتهام إلى حزب الله اللبناني، وهو ما نفاه الحزب غير أن التجارة العالمية والإقليمية لمخدر الكبتاغون باتت مرتبطة بشكل وثيق بسوريا ولبنان والتي وصفتهما الغارديان “بالدولتين الفاشلتين”.
الأمر يعود لسنوات
وتقول الصحيفة إن الأمر ليس بالحديث بل يعود لأعوام ماضية إذ ذكرت أن رجل أعمال سوري من مدينة اللاذقية طلب منه مسؤول أمني كبير في صيف 2015 أن يقوم باستيراد كميات كبيرة من فينيثيلين من الخارج. بيد أن رجل الأعمال هذا رفض وقرر الهروب خارج سوريا إلى فرنسا، مؤكدا للصحيفة “أعرف ماذا يريدون مني أن افعله. إنهم يريدون المركب الأساسي للكبتاغون. وهذا الدواء ينم عن تجارة قذرة”.
لكن الصحيفة قالت إن هناك تجارا آخرين شمال سوريا، انساقوا لمطالب الدولة، مضيفة أن تصنيع الكبتاغون في معقل النظام أصبح واحد من قصص النجاح التجارية الوحيدة في سوريا باعتبارها صناعة كبيرة ومعقدة وبدأت وكأنها تنافس الناتج الإجمالي المحلي المتهالك.
الكبتاغون واقتصاد سوريا
أصدر مركز التحليل والبحوث العملياتية البحثي والذي يركز على الوضع في سوريا، هذا الأسبوع تقريرا يسلط الضوء على دور الكبتاغون والحشيش في سوريا حيث إنهار الاقتصاد جراء عقد من الحرب والعقوبات الغربية والفساد المستشري والوضع المالي والاقتصادي المتردي في لبنان.
وقال المركز في التقرير إن “سوريا أصبحت دولة مخدرات لنوعين رئيسين يثيران القلق هما الحشيش والكبتاغون. وأصبحت سوريا مركزا عالميا لانتاج الكبتاغون حيث يتم الآن تصنيعه وتطويره تقنيا بمعدل أكبر مما مضى”.
وأضاف التقرير “في عام 2020، وصلت قيمة صادرات سوريا السوقية من الكبتاغون إلى ما لا يقل عن 3.46 مليار دولار. ورغم أن تهريب الكبتاغون كان في السابق من مصادر تمويل الجماعات المسلحة المناهضة للدولة، لكن استعادة تلك المناطق مكن نظام الأسد وحلفائه الإقليميين الرئيسيين من تعزيز دورهم كمستفيدين رئيسيين من تجارة المخدرات في سوريا”.
وفي ذلك، نقلت صحيفة الغارديان عن مصدر مطلع للنظام السوري يعيش في المنفى حاليا لكنه لا يزال يحتفظ باتصالات مع بعض المسؤولين داخل سوريا، قوله إن الاقتصاد السوري وصل إلى الهاوية.
وقال المصدر إن “الحرب في سوريا لم تتسبب فقط في قتل مئات الألاف ولجوء 6 ملايين خارج سوريا ونزوح 8 ملايين داخلها، وإصابة مليون شخص وتدمير كامل لمدن وبلدات، لكن تسببت الحرب في انهيار كامل للاقتصاد عقب الأزمة المصرفية في لبنان والتي تلاها وباء كورونا وقانون قيصر (العقوبات الأمريكية) الذي حول سوريا رسميا إلى بلد مخدرات… وتحول عدد قليل من أمراء الحرب التابعين للنظام إلى أمراء مخدرات”.
وأضاف المصدر في مقابلته مع الغارديان “في بداية الصراع كان الدولار يساوي 50 ليرة سورية. وقد انخفض سعر الصرف بشكل كبير لكن بقى السعر ما بين 500-600 ليرة سورية طوال الثماني سنوات منذ اندلاع الحرب وحتى الأزمة اللبنانية في عام 2019، وبعد ذلك بدأنا نرى الانهيار الكامل للعملتين (السورية واللبنانية) ما يدل على مدى ترابطهما. فلبنان كان بمناسبة جهاز التنفس الصناعي لسوريا وفجاة فقدت سوريا هذا الاكسجين”.
DW