حقائق إنسانية مرعبة.. تقرير حول الحصيلة الكاملة لعقد من النزاع في سوريا
عشر سنوات منذ إندلاع النزاع في سوريا، ولا تزال الإحتياجات الإنسانية كبيرة جدًّا، والمنظمات الإنسانية ووكالات الغوث الدولية تحذّر في “واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية”.
لقد تفاقمت الأزمة أكثر في عام 2020 مع بلوغ الأزمة الإقتصادية في سوريا مستويات لم تعرفها منذ عام 2011، وبسبب الحصار الدولي وإنتشار وباء كوفيد-19. هذه هي الحصيلة المـُرّة التي عرضتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مقرّها في جنيف، حول الوضع الإنساني في سوريا عشر سنوات بعد إندلاع ثورة آذار 2011.
“لدينا الآن بلد مدمّر بنسبة 80%، نظامه الصحي منهار، ونظامه التعليمي متوقّف، تُضاف إلى ذلك أزمة إقتصادية خانقة”، هذا هو ملخص شهادة نادرة قدّمها مؤخّرًا أحد الأطباء العاملين ضمن فريق منظَّمة غير حكومية فرنسية تعمل في سوريا.
وبحسب المنظّمات الإنسانية والدولية، فإنّ الإحتياجات في سوريا وفي البلدان المجاورة لاتزال هائلة، ولا تزال مساعدة النازحين واللاجئين والمتضرّرين من الفقر ضرورية هناك.
وتعتبر الأمم المتحدة الأزمة السورية واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وخلّف هذا العقد من الصراع ما يقرب من 400 ألف قتيل و200 ألف مفقود، وفقًا لأرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان (مقره لندن).
أكثر من نصف السكان لاجئون ونازحون
من أصل 21 مليون شخص قبل الحرب، فرّ 6.6 مليون شخص من سوريا بحثًا عن ملجإ في الخارج، لا سيّما في الدول المجاورة، حسب مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين.
لا تزال تركيا الدولة المضيفة الرئيسية، حيث يقيم 3.6 مليون لاجئ سوري، تليها لبنان والأردن والعراق ومصر. وهذه البلدان في أغلبها ضعيفة من الناحية الهيكلية، وتفتقر إلى خدمات المساعدات الإجتماعية الكافية.
تُعدّ سوريا، اليوم، البلد الأصلي لأكبر عدد من اللاجئين في العالم وفي أوروبا. فبالإضافة إلى الملايين من اللاجئين في الخارج، 6.7 مليون نازح داخلي في سوريا، وهو أيضًا أكبر عدد من النازحين الداخليين في العالم.
وتركت هذه التحرّكات السكانية تأثيرًا بالغًا على التركيبة السكانية للبلد، حيث تم إخلاء بعض المناطق، مما أدّى إلى فقدان 50% من سكانها، بينما شهدت مناطق أخرى، في المقابل، تدفّقًا كبيرًا للأشخاص ممّا أدّى إلى إكتظاظ كبير في الملاجئ. إن تشييد مبان جديدة أمر معقد بسبب التكلفة العالية للمواد والخدمات، فضلًا عن إستمرار إنعدام الأمن.
التضحية بجيل الشباب
مع وجود أكثر من نصف السكان السوريين دون سن الخامسة والعشرين، تسبّب الصراع في وقوع خسائر فادحة في صفوف الشباب، وفقا لدراسة أعدّتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر، ونشرت نتائجها في شهر آذار/ مارس الجاري. وعلّق روبارت مرديني، مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن هذه النتائج بالقول: “إنها ترسم صورة قاتمة لجيل تمّت التضحية بمراهقته وبدايات سن رشده على مذبح النزاع”.
وقال واحد من كل شابَّين سوريَّين شاركا في هذا الإستطلاع أنّه فقد قريبًا أو أحد أفراد أسرته في النزاع. وقال واحد من كل ستّة شبان أنّ أحد الوالدَين أو كلاهما فقد حياته أو أصيب بجروح خطيرة، بينما أصيب 12% من الشباب في القتال. كما أضاع حوالي 6 من كل 10 شبّان سنة أو أكثر من مسيرتهم التعليمية.
وعن إحتياجاتهم، أشار الشبّان السوريون إلى وضعهم الإقتصادي المتردي، قبل الرعاية الطبية، والتعليم، والدعم النفسي، بينما عانى الكثير منهم من مشاكل تتعلّق بالصحة العقلية، وفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر.
انهيار الاقتصاد المحلّي
بينما يتّجه النظام السوري إلى حسم المعركة لصالحه ميدانيًّا، يجد هذا النظام نفسه، اليوم، في مواجهة أزمة إقتصادية حادّة أدّت إلى إفقار الغالبية العظمى من السكّان، وتسبّبت في إنهيار القيمة التداولية للعُملة المحلية، وأثارت إنقسامًا حادًّا داخل النخبة المقرّبة من دوائر الحكم.
ووفقًا لمقال نُشر في صحيفة نيويورك تايمز تمّ تحديثه في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، فإن 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وحوالي 40% كانوا عاطلين عن العمل في نهاية عام 2019. و”هذه النسبة لم تزد إلّا إرتفاعًا، خلال الأشهر الأخيرة، بسبب القيود المفروضة للحدّ من إنتشار وباء كوفيد-19″.
ومؤخّرًا، وفقًا للصحيفة الأمريكية، فإنّ “العملة السورية تراجعت إلى 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء، ممّا أدّى إلى تدمير القدرة الشرائية لموظَّفي الحكومة. وقد تضاعف سعر المنتجات الأساسية المستورَدة كالسكّر والبن والدقيق والأرز مرّتَين أو ثلاث مرّات”.
13 مليون بحاجة إلى المساعدة
تقدّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ أكثر من 13 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في سوريا حاليًّا، وأنّ ثمانية ملايين غير قادرين على تلبية إحتياجاتهم الأساسية، وأنّ أكثر من 12 مليون يعانون من إنعدام الأمن الغذائي. وحوالي 30% من النساء يؤكّدن عدم إعتمادهن على أيّ دخل لتغطية إحتياجات أفراد أسرهن.
ويقول مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّ أقلّ من 60% من المستشفيات العامة لا تزال تعمل في سوريا، وأنّ مدرسة من كلّ ثلاث مدارس إمّا تضرّرت أو دُمّرت تمامًا، وأنّ السكان العُزّل لا يزالون يتعرّضون لإعتداءات، وأنّ تنظيم الدولة الإرهابي يواصل شنّ هجمات وترهيب المدنيين.
مطلوب أكثر من 4 مليارات دولار
يشير مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنّ إجمالي تمويل العمليات الإنسانية لصالح السوريين بلغ 2.6 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يلبّي 60% من الإحتياجات. وفي عام 2021، ستكون هناك حاجة إلى أكثر من 4 مليارات دولار لخطّة الإستجابة الإنسانية، وفقًا لنفس المكتب.
swissinfo