المافيا والسياسة في تركيا.. فضيحة تهدّد عرش أردوغان!

المافيا والسياسة في تركيا.. فضيحة تهدّد عرش أردوغان!

زعيم المافيا سادات بكر يفضح العلاقات بين الحكومة التركية وعالم الإجرام في تركيا. وعلى الرئيس أردوغان ووزير داخليته توضيح الموقف، كما يتعين عليهما التعامل مع تراجع شعبية أردوغان وحزبه في استطلاعات الرأي.

عبر رسائل فيديو تخصه، تسبب زعيم المافيا سادات بكر في ضجة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي. وهناك سبعة مقاطع فيديو له على شبكة “يوتيوب”، انتشر كل واحد منها على نطاق واسع وتصدر عناوين الصحف في تركيا منذ ذلك الحين.

وجه سادات بكر في رسائله اتهامات شنيعة لسياسيين معروفين من الحزب الحاكم، زاعما أنهم متورطون في القتل والاغتصاب وتهريب المخدرات وإساءة استخدام السلطة والعديد من الأنشطة الإجرامية الأخرى. وفي الوقت نفسه، وفقا لبكر، قامت الحكومة التركية بحمايته من الملاحقة الجنائية لسنوات؛ لدرجة أن الحكومة نفسها وفرت له الحماية الشرطية.

سادات بكر، البالغ من العمر 49 عاما، كان معروفا لدى الرأي العام التركي لفترة طويلة. ويعتبر من ركائز عالم الإجرام في تركيا، وتعرض للمحاكمة عدة مرات بتهم القتل العمد والشروع في القتل والاختطاف وأدين “بتأسيس منظمة إجرامية”.

واستهدف بكر في رسائله بالفيديو وزير الداخلية سليمان صويلو على وجه الخصوص. وكان الوزير قد حذره عندما تم فتح تحقيقات ضده، وبفضل ذلك فقط كان قادرا على الفرار من تركيا في عام 2020 والانتقال إلى دبي، كما يقول بكر في مقطع فيديو. وفي مقابل ذلك، دعمت المافيا المسيرة المهنية لوزير الداخلية، حسب زعم سادات بكر.

ونظرا لأنه طيلة أسابيع لم يجر بداية فتح تحقيقات قضائية، فلا يوجد حتى الآن وضوح بشأن ما هو حقيقي وما هو دون ذلك في تلك الادعاءات. والشيء الوحيد الواضح هو أن الخناق يضيق على سليمان صويلو، والمعارضة مصرة على استقالته.

وهذا الأسبوع (الإثنين 24 مايو/ أيار) واجه صويلو المزاعم في بث على محطة “خبرتورك” التلفزيونية وقال إن مزاعم بكر أكاذيب محضة وهي جزء من حملة تشهير واسعة النطاق يتم توجيهها من الخارج. ودافع صويلو عن نفسه قائلا: “لست أنا المستهدف وإنما تركيا كلها”.

صمت مضر من قبل أردوغان

ظهور بكر على موقع يوتيوب يعني مزيدا من الضرر بصورة رجب طيب أردوغان. فلفترة طويلة، ظل الرئيس التركي صامتا بشأن تصريحات زعيم عالم الإجرام، لكن فقط بعدما جرى النقاش علنا لأسابيع حول ما كشفه الزعيم، رأى أردوغان نفسه مضطرا إلى اتخاذ موقف وقال بعد اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي: “إنه لمن دواعي الأسى أن نرى في بلدنا أناسا بائسين يحصلون على المساعدة من عصابات المافيا. المنظمات الإرهابية والعصابات الإجرامية هي من نفس نوع (تلك) الأفعى السامة”.

ويرى الباحث السياسي إبراهيم أوسلو، من مركز أنقرة للدراسات الاجتماعية (ANAR) أن تصريح أردوغان جاء متأخرا جدا. وقال أوسلو: “إذا قام أحد الهاربين بقذف وإهانة الحكومة، فيجب على حزب العدالة والتنمية الحاكم التحرك على الفور وتشكيل لجنة تحقيق في البرلمان”. وفي رأي أوسلو أن القضية برمتها هي أيضا فشل ذريع للحكومة؛ بسبب ضعف الثقة بالفعل في القضاء والدولة. “كان ينبغي على حزب العدالة والتنمية أن يعلن على الفور أنه سيتخذ إجراءات حازمة ضد المنظمات الإجرامية”، يؤكد أوسلو.

حزب العدالة والتنمية الحاكم يواجه أزمة ثقة؟

وبحسب استطلاعات للرأي، فإن ما كشفه بكر له بالفعل تأثير سلبي على شعبية الحزب الحاكم، فوفقا لاستطلاع أجراه معهد استطلاعات الرأي التركي (Metropoll)، فإن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية لا تتجاوز 27 بالمائة، وهذا سيكون انخفاضا بنسبة 33 بالمائة منذ الانتخابات الأخيرة في يونيو/ حزيران 2018.

ووفقا لاستطلاع آخر، فإن الرئيس أردوغان نفسه فقد مؤخرا الكثير من شعبيته بين المواطنين، فبنسبة تأييد تبلغ 40 في المائة، يعني ذلك أنه يحل في المرتبة الرابعة فقط، خلف عمدة أنقرة وعمدة إسطنبول، المنتميين إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، وكذلك ميرال أكسينر، زعيمة حزب الخير المعارض، المعروف اختصارا باسم (IYI).

ويوضح إبراهيم أوسلو أن الانخفاض في استطلاعات الرأي يرجع في الأساس إلى الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال الناجم عن وباء كورونا، ويقول “قد لا يكون لإشكالية بكر تأثير مباشر على نتائج استطلاعات الرأي، لكنها ستزعزع الثقة في الحكومة على المدى البعيد”.

وفي المقابل، يرى الباحث السياسي، باريش دوستر، من جامعة مرمرة في إسطنبول، أن مقاطع الفيديو سيكون لها فعلا تأثير فوري. “سيكون هناك انهيار في شعبية حزب العدالة والتنمية في استطلاعات الرأي ولابد من حدوث معجزة كي تتعافى الحكومة.” لأنه بالنسبة للمعارضة، فإن مزاعم بكر هي نقطة انطلاق لانتقاد الحكومة، بحسب دوستر.

المافيا والسياسة فريق منسجم!

يشير فكري ساغلار، النائب عن أكبر أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري، إلى أن قضية بكر ليست حالة معزولة، بل تُظهر مشكلة أساسية في تركيا “لم تنجح الحكومة أبدا في إبعاد نفسها عن الجريمة المنظمة (…) . اليوم أصبحت المافيا قريبة جدا من الحكومة. وحقيقة أن الحكومة والمافيا قريبان من بعضهما البعض تتضح بجلاء من خلال رسائل فيديو بكر”.

ما كشفه زعيم المافيا، سادات بكر يذكر العديد من الأتراك بفصل مظلم في التاريخ التركي: ففي وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي، كانت هناك افتراضات بوجود العديد من التشابكات بين كبار المسؤولين الحكوميين وعالم الإجرام. وجرى افتراض أن جرائم القتل السياسي أو الحالات التي يختفي فيها الأشخاص ببساطة يتم القول بأنها نتيجة مكائد المنظمات الإجرامية. ولم تكن هناك أدلة ملموسة على وجود صلات مع الدوائر الحكومية، وكانت الصحافة التركية تصف الشبكة الغامضة بأنها “دولة عميقة”.

هل تتقارب الحكومة مع عالم الإجرام؟

رغم ذلك، فقد حدث مرارا وتكرارا في الماضي القريب ظهور شخصيات من المافيا، ومعظمهم من أوساط اليمين المتطرف، في فلك ممثلين للحكومة رفيعي المستوى. ففي أبريل/ نيسان 2020، تم إطلاق سراح علاء الدين كاكيتشي زعيم المافيا اليميني المتطرف بشكل مبكر، مع حوالي 90 ألف سجين آخر على إثر عفو عام يتعلق بوباء كوفيد-19. في حين ظل العديد من الصحفيين والمعارضين أو السجناء المصابين بأمراض مزمنة رهن الاحتجاز. وبعد الإفراج عن كاكيتشي، كان هناك اجتماع مثير للجدل مع السياسي الحكومي دولت بهتشلي، الشريك الأصغر لأردوغان في الحكومة ورئيس حزب الحركة القومية المتطرف، وكلاهما يعتبر من المؤيدين لحركة “الذئاب الرمادية” اليمينية المتطرفة، وهما قريبان أيضا من الناحية السياسية.


DW

Spread the love

صحيفة البيرق

اترك تعليقاً