بركات لـ «الشرق»: منصة بلومبيرغ خطوة جيدة على صعيد الشفافية والحوكمة إلاّ أنها لن تلغي السوق السوداء ولا مخرج من الأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة من دون اتفاق شامل مع صندوق النقد
كتبت ريتا شمعون
في العام 2022 تمّ التوصل الى اتفاق بين السلطات اللبنانية وفريق من خبراء صندوق النقد الدولي بشأن السياسات الإقتصادية الشاملة التي يمكن تنفيذها للإستفادة من تسهيل الصندوق الممدد بقيمة 3 مليارات دولار أميركي ومع مرور 18 شهرا لم يتم تنفيذ الإتفاق.
وهنا نسأل هل فشل الإتفاق أو أصبح مستحيلاً؟
في هذا الإطار يتحدث الدكتور مروان بركات، كبير الإقتصاديين ورئيس الأبحاث لدى بنك عودة الى جريدة «الشرق» قائلاً: رغم خيبة امل وفد صندوق النقد الدولي الذي زار لبنان منذ أسبوعين واصداره بيان عالي اللهجة على الوتيرة البطيئة للإصلاح، لا سيما على صعيد التشريع المطلوب لابرام اتفاق نهائي مع مجلس إدارة الصندوق، الا اننا لا ننعى الاتفاق مع الصندوق الذي سيأتي وفده من جديد في النصف الأول من العام 2024 لإطلاق مشاورات المادة الرابعة، على امل ان يكون قد تحقق في الأشهر المقبلة خرق ما على المستوى السياسي والاقتصادي والاصلاحي. يجدر الذكر ان وفد الصندوق نوه خلال اجتماعنا به بالخطوات المتخذة من قبل حاكمية مصرف لبنان الجديدة اكان على صعيد عدم تمويل الدولة اللبنانية (بالليرة وبالعملات) او على صعيد الحفاظ على ما تبقى من احتياطيات بالعملات الأجنبية لديه.
أضاف بركات، كان صندوق النقد الدولي قد أصدر في أواخر حزيران المنصرم تقريراً من 80 صفحة تحت البند الرابع (Article IV) قدّم فيه تقييمه للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي والمصرفي الاجتماعي في لبنان. كما عرض رأيه في الحلول للخروج من الأزمة. والتقرير المفصّل هو الأول للصندوق منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية، إذ ان آخر تقرير مماثل أصدره الصندوق، وللمفارقة، كان في 18 تشرين الأول 2019.
وقد جاء تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي حول لبنان بنّاءً إلى حدّ لافت. فمن ناحية، قدّم التقرير وصفاً وافياً للأزمة ونتائجها والتي وصفها بالأزمة النظامية المرتبطة بالقرار السياسي في البلاد. كما سلّط التقرير الضوء على المسؤوليات والتحديات بشكل موضوعي. من ناحية أخرى، طرح التقرير بشكل مفصل متطلبات الخروج من الأزمة، ولا سيما من خلال توصياته بشأن السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات المصرفية المطلوبة.
وفي قراءة متأنية للتقرير يرى بركات، أن هناك نقاطاً عديدة يجب على الافرقاء المعنيين من مكونات السلطة السياسية والسلطات التنفيذية والتشريعية والنقدية والقطاع الخاص تلقّفها للإجماع على رؤية موحدة للخروج من الأزمة، مع تحفظنا على نقاط اخرى في التقرير ومنها أرقام الناتج المحلي الإجمالي على سبيل المثال.
نحن نعتقد أن هذه النقاط تشكل قواسم مشتركة يجب البناء عليها للوصول إلى رؤية موحدة وبرنامج يحظى ليس فقط على اجماع، بل على تبنّي مكونات السلطة السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والاغتراب اللبناني له. وقد فتح صندوق النقد في تقريره الباب لهكذا اجماع وتبنّي، ويبقى على المكونات أعلاه تلقّف هذه الأفكار وترجمتها عمليًا ليستطيع لبنان رؤية الضوء في آخر النفق.
ويرى بركات، أن لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعاني منها لبنان من دون اتفاق شامل مع صندوق النقد يؤمن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية الى لبنان أكان من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة في ما بعد والتي لن تمد يد المساعدة إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد.
في هذا السياق، إن من شأن ابرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي أن يكون المدخل لوضع حدًّ للأزمة الاقتصادية والمالية التي ترزح تحتها البلاد منذ أربع سنوات وأن يضع البلاد على سكّة النمو الاقتصادي الإيجابي والمستدام، وأن يحد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسر اللبنانية بشكل عام.
وعن رأي المصارف بمنصة بلومبورغ المستحدثة؟
يقول بركات، نحن نعتقد ان المنصة الجديدة المقترحة على نظام بلومبورغ منصة مهنية تكتسب اهمية من حيث زيادة نطاق استخدام الليرة اللبنانية، وتعزيز الشفافية والحوكمة. يجدر الذكر ان صندوق النقد الدولي في بيانه الصادر منذ أيام رحب بقرار الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان انهاء منصة صيرفة وإرساء منصة تداول عملات شفافة وذات مصداقية بشكل عام، مشيرا الى ان البنك الدولي قد انتقد بشدة منصة صيرفة الذي اعتبرها غير فعالة في إرساء استقرار مستدام في سوق القطع كما كونها ساهمت في عمليات اربيتراج وصلت قيمتها الاجمالية الى 2.5 مليار دولار منذ انشائها.
وتابع بركات، تبدو المنصة الجديدة كشكل من اشكال الضوابط على حركة تداول العملات بانتظار وضع ضوابط رسمية على التحاويل في سياق قانون الكابيتال كونترول المبتغى. غير اننا نعتقد ان المنصة المقترحة لن تلغي السوق السوداء التي ستبقى ناشطة في ظل الظروف التشغيلية الراهنة.
يبقى القول ان آفاق سعر الصرف في لبنان مرتبطة بشكل أساسي بالعوامل السياسية والاقتصادية العامة في البلاد أكثر منها بعوامل تقنية كمنصة التداول. فلبنان امام مفترق طرق سيحدد تطور سعر صرف الليرة في الأمد المنظور. فإما التوجه نحو السيناريو الإيجابي والذي يؤدي الى استقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم وتعزيز احتياطيات مصرف لبنان وتحقيق فوائض في ميزان المدفوعات، واما عدم توفر مكونات هذا السيناريو، وبالتالي تدهور سعر الصرف بلا سقف واستفحال التضخم المفرط وازدياد البطالة مع ما يحمل ذلك من ضغوط جمة على الاسر اللبنانية عامة.
اما مكونات السيناريو الإيجابي فهي تتمحور حول انتخاب سريع لرئيس للجمهورية، تشكيل حكومة فاعلة ذات مصداقية، ابرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والحصول على المساعدات الخارجية المرجوة.
ويعزز هذا المنحى الإيجابي نتائج مؤاتية للتنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9 والتي من المتوقع بروزها بعد شهر تقريباً. هذا وفي حال تجسد هذا السيناريو، قد يقارب مستوى النمو الـ10% ويحافظ سعر الصرف على استقراره بشكل بنيوي، مع العلم اننا نستبعد تحسناً لسعر صرف الليرة مقابل الدولار في شتى الأحوال.
عليه، وفي ظل المفارقة بين السيناريوين، أمل بركات، ان يحكّم السياسيون ضمائرهم ويترفّعون عن مصالحهم الذاتية الآنية ويحدون من التباين والتجاذب ويعززون الأرضية المشتركة في ما بينهم ويسلكون طريق التسوية والإصلاح.