خفايا المرحلة المقبلة.. اللحظة آتية.. هل فعلاً انتهت وظيفة سلاح المقاومة؟

خفايا المرحلة المقبلة.. اللحظة آتية.. هل فعلاً انتهت وظيفة سلاح المقاومة؟

بقلم محمد حمية

تتعرّض بيئة المقاومة لحملة سياسية وإعلامية داخلية – خارجية ظالمة وخطيرة مترافقة مع كمية ضخمة من الإشاعات والأخبار المُضلّلة:
*المقاومة تعرّضت في الحرب الأخيرة الى ضربات مؤلمة وكبيرة خلّفت خسائر ضخمة بشرية ومادية ومعنوية وشلّت الكثير من القدرات والمعادلات خلال الحرب وبعدها، ما أصاب جبهة المقاومة أو ما يعرف بمحور المقاومة بنكسة استراتيجية بخاصة بعد سقوط النظام السوري السابق وتحييد العراق وضرب اليمن ودفع إيران للإنكفاء من المنطقة. لذلك نحن أمام مرحلة تاريخية ومفصلية في لبنان والمنطقة وفي الصراع مع إسرائيل عنوانها تشديد الوصاية الأميركية على لبنان وسوريا وفرصة جدية أمام تقدم المشروع الاسرائيلي ما يتطلب أقصى درجات الحذر والكثير من الصبر والحكمة والصمود وقراءة براغماتية وتغيير أساليب المواجهة والإندماج تدريجياً في مشروع الدولة:
خلفية المرحلة المقبلة ومعالمها
*الدور الإقليمي لحزب الله انتهى في المدى المنظور حتى تغير موازين القوى الإقليمية والدولية وإعادة ترميم قوته وهذا قد يأخذ سنوات عدة وربما حقبة كاملة، لكن هذا لا يعني أن وظيفة سلاحه انتهت في معادلة الدفاع عن لبنان في مواجهة الأخطار والأطماع الاسرائيلية والخطر المستجد من الحدود الشرقية لا سيما في ظل غياب البدائل حتى اللحظة.
*ستستعر الحملة على المقاومة في القادم من الأيام، وسيجري الحديث أن قيادة المقاومة تفاوض سراً على تسليم سلاحها وأنها ستكون “طبقاً لذيذاً” على مائدة المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وذلك لذرّ الرماد في العيون وبث الرعب والإحباط واليأس والوهن وضرب الثقة بين المقاومة وبيئتها وجمهورها وإشعال الخلاف بين أهل المقاومة على مستقبل السلاح بين من يريد التسليم كطوق للنجاة من الآتي الأعظم ومن يرفض لضمان المصير والوجود في ظل التهديد الإسرائيلي وخطر الحدود الشرقية بعد المجازر في الساحل السوري. لذلك الأفضل تجاهل هذه الحملة وانتظار تصريحات المعنيين لتبيان الموقف الحقيقي واستيضاح المشهد.
*يتعمّد الإعلام الغربي وبعض الإعلام المحلي التركيز على خسائر المقاومة وبيئتها ولبنان جراء الحرب، ويتم التعتيم بشكلٍ كاملٍ على النتائج الاستراتيجية للحرب على إسرائيل ومشروعها الصهيوني الذي أصيب بنكسات تاريخية وفق ما يقول كبار الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل:
سقوط إسرائيل ككيان مستقل قادر على الصمود في المنطقة والدفاع عن نفسه من دون الدعم والرعاية والتمويل والتسليح وحتى التدخل العسكري المباشر من الولايات المتحدة والغرب.
لم تستطع بعد كل الحرب أن تعيد المستوطنين الى الشمال.
فقدت ثقة المستوطنين بإمكانية الجيش في الحماية المطلقة.
فقدت هيبة الجيش الذي يستطيع خوض الحروب وتحقيق الانتصار الساحق.
فقدت التماسك الداخلي حول صورة موحدة لمستقبل إسرائيل وقدرة المشروع الصهيوني الكبير على الانتصار حتى الآن، رغم أن الصورة الظاهرين هي تقدمه في سوريا باتجاه العراق.
عملية طوفان الأقصى وتداعياتها وضعت إسرائيل على شفا الحرب الأهلية وفق ما يقول جميع أركان المعارضة وخبراء عسكريون وسياسيون في إسرائيل.
*الوضع الحدودي يغلي على فوّهة بركان ولا يعلم أحد متى ينفجر والتداعيات وغير واضح إلى أين ستذهب المنطقة ومصير لبنان وموقعه في الخرائط الجديد التي تُرسّّم للشرق الأوسط وللعالم، ولذلك الأمور مفتوحة على كافة الإحتمالات منها عودة الحرب التي تتجمع مؤشراتها بقوة وتنتظر شرارة الإشتعال الأخيرة، ولذلك الإستعداد والإعداد وتحصين الجبهة الوطنية ضرورة لمواجهة أي احتمال.
*يعرف الأميركيون ودعاة نزع السلاح في الداخل، أن ذلك في غاية الصعوبة وقد يُرتب كلفة باهظة على إسرائيل وربما على نفوذ الولايات المتحدة في لبنان وعلى كل الأطراف في البلد إذا أصرت واشنطن على نزع السلاح بالقوة، كما يعرفون أن الحزب لن يقدم على هذا القرار التاريخي (أي تسليم سلاحه) من دون خارطة طريق تحمي لبنان ولا تطيح بالتضحيات الجسام وبدماء الشهداء والجرحى وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله، لكن الهدف من حملة الضغط الهائلة على السلاح هو محاولة تطويق المقاومة إقليمياً وداخلياً لنزع فعاليتها ودورها لإنهاء دور سلاحها وبالتالي تبرير تلفه، ويعتبرون أنهم أمام الفرصة الذهبية والتاريخية محلياً وإقليمياً ودولياً ولن تتكرر لتنفيذ هذه المهمة الذي يجري التحضير لها منذ العام 2000. إضافة الى كيّ الوعي الجمعي لبيئة المقاومة وإقناعها بأن السلاح لا يحميها وسيجلب لها الخراب لاحقاً، وبالتالي صناعة بيئة نفسية – سياسية تكون حاضرة ومهيأة لتقبل نزع السلاح عندما يحين الأوان.
ما المطلوب؟
*أن يحدد حزب الله (أعتقد أنه يقوم بذلك) حجم الخسائر وتداعياتها والإمكانات المتبقية لديه والقدرة على الترميم والبناء عليها في أي قرار يتخذه في مواجهة الضغوط الدولية والداخلية على سلاحه في ظل الواقع الجيوبوليتكي الجديد، وفي أي مواجهة خارجية تفرض على لبنان، ومحاولة تجنّب الإنزلاق الى فخّ الحرب من جديد قدر الإمكان. لذلك من المفيد قراءة موازين القوى الإقليمية جيداً وانتظار انجلاء المفاوضات الأميركية – الإيرانية ووشكل النظام الدولي الجديد والتعامل بواقعية مع المرحلة الجديدة في لبنان والمنطقة وربما في العالم، وتحديد الخيارات المتاحة ونتائج كل خيار حيال كيفية استخدام السلاح أكان في التحرير والدفاع بالتنسيق مع الدولة أو في التفاوض مع الأميركيين للوصول إلى مقايضة ما تحفظ السلاح كقوة إحتياط في مشروع الدولة الدفاعي وتضع قرار استخدام السلاح في يد الدولة والحياد عن الصراعات الإقليمية مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من الجنوب حتى الحدود الدولية ووقف الإعتداءات وضمانات دولية بتمويل إعادة الإعمار.
*عدم توجيه اللوم لقيادة حزب الله والرئيس نبيه بري لتوقيعهما قرار وقف إطلاق النار، لأن موازين القوى خلال الحرب لم تكن تسمح بترف الوقت وهامش المناورة. وإن أثبتت المقاومة صموداً أسطورياً على الحدود في القتال البري واستمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل حتى قبل يوم واحد من وقف إطلاق النار، لكن كنا أمام خيارين في ذروة الهجمة الأميركية الغربية: الموافقة تحت ضغط آلاف أطنان القنابل على المعروض أميركياً من شروط لإنهاء الحرب مع التقليل قدر الإمكان من ثقل الشروط لوقف حمام الدم (هذا ما فعله الرئيس بري خلال المفاوضات)، وإما الاستمرار بالحرب وتصعيدها وتوسيعها باتجاه استهداف مراكز النازحين والبنى التحتية في العاصمة بيروت (هذا مضمون الرسائل الأميركية التي كانت تصل الى المراجع خلال الحرب) وبالتالي ارتفاع أعداد الشهداء المدنيين واستمرار أزمة النزوح وتفاقمها.
*مع تفهم غضب جمهور المقاومة حيال استمرار الإعتداءات الإسرائيلية والاغتيالات في الجنوب والبقاع والضاحية، لكن تجنب الهجوم على رئيس الجمهورية والجيش اللبناني ضرورة، فالحمل ثقيل على ظهر جوزاف عون ويُشكل اليوم ضمانة وطنية ويحاول بالتعاون مع الرئيس بري بالدبلوماسية احتواء الإنقسام الداخلي وإبعاد شبح توسيع الحرب الاسرائيلية على لبنان وتجنب كأس الحرب الداخلية، فيما الجيش يقوم بواجبه قدر الإمكان وينفذ التعليمات السياسية وفق القرار 1701 وتفاهم وقف إطلاق النار، ولم يُكلَف لا بتحرير الأرض ولا بردع العدوان ولا يمكنه فتح مواجهة من دون قرار سياسي وفي ظل إمكاناته الحالية وهمجية نتانياهو اللامتناهية، ويجب التركيز على المطالعة الوطنية الهامة لقائد الجيش في مجلس الوزراء.
*عدم التأثر بالحملات التي تصوّر أن المقاومة هُزمت.. ولو صحّ ذلك لما كانت هذه الضغوط الدولية الهائلة والاعتداءات الاسرائيلية والتهديدات بعودة الحرب الشاملة واجتياح جديد للجنوب، ولما فاوض الأميركي مع الرئيس بري ولا وافق الإسرائيلي على وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من الجنوب وترسيم الحدود البرية. فهناك فرق بين الهزيمة وبين الخسارة، وفرق بين الربح وبين الانتصار، فليس كل خسارة هزيمة وليس كل ربح انتصار. فحزب الله خسر كثيراً لكنه لم يُهزم، وإسرائيل حققت الكثير من الإنجازات العسكرية لكنها لم تنتصر (راجعو إعلامها).. فالمقاومة لم تُهزم رغم الخسائر الكبرى، المقاومون قاتلوا على حافة الحدود والشهادة وفي كل الجنوب بشجاعة وشرف وكفاءة قتالية قلّ نظيرها في العالم باعتراف الإسرائيلي. المقاومة خسرت فائض قوتها التي كانت تستطيع صرفه في الإقليم (خاصة في معركتي سوريا وغزة) وخسرت جزءاً كبيراً من معادلة الردع مع إسرائيل، لكنها لم تنهزم أو تنتهي في معركة الدفاع عن لبنان. فطالما هناك شعبٌ حي يملك قضية عادلة وإرادة الدفاع عنها ويمتلك السلاح مهما كان حجمه ونوعه فلن ينهزم.
*عدم الإكتراث لحملة تشويه السلاح بأنه لم يستطع الدفاع عن الجنوب وبيئة المقاومة وأنه جلب الخراب وأن معادلة الردع كانت كذبة، لأن الهدف تثبيط إرادة البيئة المقاومة وإحباطها وتأليبها على المقاومة لنزع شرعيتها الشعبية قبل نزع سلاحها لاحقاً. صحيح أن المقاومة خسرت تفعيل معادلات ردع كثيرة خلال الحرب بسبب الضربات المفاجئة والسريعة والضخمة التي تعرضت لها وربما عدم تقديرها قوة وفعالية أوراقها واستخدامها بشكل فعال، ومعرفة حجم الإنكشاف الأمني في مستوياتها المتعددة ووضع جبهتها الداخلية، وعدم تقدير قوة العدو جيداً، لكنها استطاعت الصمود ولم ترفع الراية البيضاء وحافظت على إرادة البقاء. فهل استطاعت إسرائيل رغم كل قوتها والترسانة الأميركية – الغربية ردع حزب الله بشكل كامل وحماية إسرائيل من سقوط الصواريخ على حيفا وتلأبيب و…؟ فضلاً عن بلوغ نهر الليطاني كهدفٍ مركزي للعملية البرية للجيش الإسرائيلي؟

  • عدم الإنزلاق الى خطاب التحريض السياسي والطائفي لبعض السياسيين ووسائل الإعلام والحفاظ على التماسك والهدوء وتجنب السجالات الطائفية والمذهبية، لأن المطلوب إثارة الضوضاء والسجالات حول السلاح وتطييفه ومذهبته لتحريض بقية المكونات، لذا يجب ترك إدارة الأزمة للمعنيين في المقاومة والدولة للتقليل من حجم الخسائر قدر الإمكان، لأن الخسائر ستقع والحرب ستستمر بأشكال ووسائل متعددة عسكرية أمنية استخبارية تكنولوجية دبلوماسية سياسية إعلامية اقتصادية معنوية ونفسية، ولا بد أن نصل بعد فترة زمنية ما الى لحظة الحقيقة وحسم الخيارات.
    أخيراً لا بد أن نتذكر أن السفير الأميركي الأسبق في لبنان والذي أوكِل مهمات دبلوماسية رفيعة في بلاده، قال يوماً إن الولايات المتحدة أنفقت نصف مليار دولار في لبنان لتشويه صورة المقاومة (هذا ما اعترف به والمخفي أعظم”)!..
Spread the love

adel karroum