“حان الوقت لإعادته إلى مكانه الصحيح”.. هل تسعى أمريكا لتحجيم ولي العهد السعودي حاليًّا؟

“حان الوقت لإعادته إلى مكانه الصحيح”.. هل تسعى أمريكا لتحجيم ولي العهد السعودي حاليًّا؟

ربَّما يكون وليُّ العهد السعودي، الأمير محمّد بن سلمان، قد نجا من العقاب المباشر بعد أن وجَّه تقرير للمخابرات الأمريكيّة أصابع الإتِّهام له في جريمة قتل المعارض السعودي، جمال خاشقجي، لكنّه لم يخرج سالما تمامًا من دائرة الإتِّهام.

خلُص التقرير المبني على معلومات وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة –ورفعت الإدارة الأمريكيّة السريّة عنه– إلى أنّ الأمير وافق على عملية “لإعتقال أو قتل” خاشقجي، الذي قُتل في القنصلية السعوديّة في إسطنبول في 2018.

وبقرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نُشر التقرير الذي رَفَض سلفه، دونالد ترامب، نشره. يعود التركيز العام، من جديد، في موقف واشنطن من التعامل مع المملكة على سجلِّها في حقوق الإنسان وعلى مشترياتها الضخمة من السلاح الأمريكي.

وبتوجيه الإتِّهام، علنًا، للأمير محمّد –الذي يتولَّى، فعليًّا، إدارة شؤون المملكة– جعلت واشنطن من الصعب على حلفائها الغربيّين التعامل معه.

لكن رغم أنَّها قد ترغب في تحجيم وليِّ العهد، البالغ من العمر 35 عامًا، فهي تدرك أنَّها لا تستطيع أن تتحمَّل قطيعة مع أقدم حلفائها العرب، وقوَّة التوازن الرئيسيّة في المنطقة في مواجهة إيران.

قال وزير الخارجيّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، للصحفيين “ما فعلناه … ليس قطعًا للعلاقات، لكنّه إعادة ضبط لها لكي تكون أكثر إتِّساقًا مع مصالحنا وقيمنا”.

وقالت إليزابيث كيندال، الزميلة الباحثة في الدراسات العربيّة والإسلاميّة بجامعة أكسفورد، أنّ التقرير “مُحرج بدرجة شديدة للسعوديّة”، كما أنّه “يضع زعماء عالميّين آخرين في وضع حرج، يتعيَّن عليهم أن يقرِّروا فيه ما إذا كانوا سيواصلون التعامل مع وليِّ العهد، ومتى، وكيف ذلك”.

التركيز على حقوق الإنسان

نفى الأمير محمّد ضلوعه، بأيِّ شكل من الأشكال، في قتل خاشقجي الذي أدّى إلى الزجِّ بثمانية أشخاص في السجن، في السعوديّة، العام الماضي، لكنّه قال أنّه يتحمَّل المسؤوليّة النهائيّة لأنَّ الجريمة حدثت وهو في موقع السلطة.

وفرضت الإدارة الأمريكيّة عقوبات على 76 سعوديًّا، مِن بينهم معاونون مقرَّبون من الأمير، لكنّها إستثنت وليَّ العهد نفسه.

غير أنّ بايدن أشار إلى أنّه سيبحث، بصفة أعمَّ، وضع حقوق الإنسان في السعوديّة التي سَحق فيها وليُّ العهد المعارضة، وعمل على تحييد خصومه، أو الزجِّ بهم في السجون –وبعضهم من أقرب أقاربه– في إطار حملته لإحكام قبضته على السلطة.

وقال بايدن، يوم الجمعة، أنّه أوضح، في مكالمة مع الملك سلمان، أنّ قتل المعارضين السياسيّين غير مقبول، وأنّه لا بدَّ من معالجة إنتهاكات حقوق الإنسان.

وقد أفرَجت السلطات السعوديّة، بالفعل، بكفالة عن إثنين من الناشطين السعوديّين يحملان الجنسية الأمريكية، وذلك لحين تقديمهما للمحاكمة.

كما أخلت سبيل الناشطة لجين الهذلول المدافعة عن حقوق المرأة بعد أن قضت قرابة ثلاث سنوات في السجن، حيث قال أقاربها أنّها تعرَّضت للتعذيب، غير أنّ السلطات نفت ذلك.

وقال مصدر مطَّلع على آراء الأجهزة الرسمية في الرياض أنّ هاتَين الخطوتَين جاءتا “في إطار الدفع من أجل علاقة جديدة مع إدارة بايدن”.

وكان الإتِّصال الهاتفي بالملك سلمان برهانًا على نيّة بايدن المعلنة العودة إلى البروتوكول المعتاد بالتواصل مع العاهل السعودي وليس وليَّ العهد.

وقال دبلوماسيٌّ غربيُّ في الرياض أنّ هذه الخطوة “رمزيّة بما يكفي لإظهار أنّ ترامب وضع الأمير محمّد في مكانة لا يستحقُّها ولا تلائمه، وأنّ الوقت قد حان لإعادته إلى مكانه الصحيح”.

السلاح مقابل النفط

ربَّما يتجاوز بايدن الخطوات الرمزيّة، إذ أشارت إدارته إلى أنّها ربما تلغي مبيعات أسلحة للسعوديّة التي تعدُّ من أكبر مشتري السلاح الأمريكي إذا كانت تمثِّل مصدرًا للقلق فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وربَّما تقتصر صفقات السلاح المستقبليّة على الأسلحة “الدفاعيّة” فقط.

كذلك، رفعت واشنطن الحظر الذي فرضه ترامب على التعامل مع حركة الحوثي المدعومة من إيران، والتي أطاحت بالحكومة اليمنيّة المدعومة من السعودية، وتخوض حربًا، الآن، مع القوّات السعوديّة وحلفاء المملكة.

فقد دفعت الحرب الملايين إلى صفوف المعوزين على شفا المجاعة، وتريد واشنطن إنهاء ذلك الوضع.

غير أنّ بايدن مازال يتحسَّس خطاه. فالملك سلمان في الخامسة والثمانين من عمره ومعتل الصحة، وربّما يتولّى إبنه السلطة في السعوديّة أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، والحليف المهمّ في مواجهة إيران الخصم المشترك منذ عشرات السنين.

وقال نيل كويليام، الزميل في مؤسَّسة تشاتام هاوس البحثية، أنّ التقرير يمثَّل “إنتقادًا قويًّا”، غير أنّ واشنطن ستظلُّ المصدَر الرئيسي للدفاع والأمن، بالنسبة للمملكة، رغم إكتساب العلاقات طابعًا أكثر رسميّة.

ويرجع التحالف السعودي الأمريكي إلى عام 1945 عندما إلتقى الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على ظهر فرقاطة تابعة للبحريّة الأمريكيّة ووعد بحماية عسكريّة مقابل تيسير الإستفادة من إحتياطيّات النفط السعوديّة.

وقال دبلوماسيّ غربيّ في الرياض، ببساطة، “المصالح المشتركة لن تكون في خطر”.


Reuters

Spread the love

عادل كروم

اترك تعليقاً