هل يمكن للجيش الأمريكي شنّ هجوم كعمليات إسرائيل في غزة؟
العملية العسكرية التي شنّتها إسرائيل على مواقع في قطاع غزة ردّا على صواريخ حماس، أثارت نقاشا في الداخل الأمريكي حول مدى قبول جيش الولايات المتحدة الإقدام على هجوم عسكري مماثل في منطقة يعمرها أساسا المدنيون.
عادة ما تكون هناك ردود فعل متباينة داخل الولايات المتحدة بالنسبة للعمليات العسكرية التي تشنّها إسرائيل بين حين وآخر على قطاع غزة، نظرا للمخاطر التي تمثلها تلك العمليات على المدنيين. في ذات الوقت أثارت العمليات داخلياً تساؤلا افتراضيا حول مدى قبول الجيش الأمريكي لشنّ عمليات عسكرية ضد أهداف محاطة بأعداد كبيرة من المدنيين.
وكتبت هولي مكاي، وهي صحفية أسترالية أمريكية عملت مراسلة لشبكة فوكس نيوز وقدمت تغطية من مناطق الحروب في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، في تحقيق صحفي نشرته مجلة ناشيونال إنترست تتساءل عما إذا كان من الممكن أن تشنّ الولايات المتحدة حرب مدن مثل تلك التي تشنها إسرائيل؟
وقالت إنه على مدار الأسبوع الماضي، شاهد العالم التوتر يحتدم بين إسرائيل وغزة، حيث تنفجر الصواريخ في الهواء وتتحول المباني إلى أنقاض.
وفي الهجوم الأكثر دموية مع تجدد القتال يوم الأحد قبل الماضي، قتل 42 شخصا، من بينهم 16 امرأة و10 أطفال، في غارات جوية إسرائيلية على مدينة غزة، وهي واحدة من أكثر جيوب الكوكب اكتظاظا بالسكان.
وقبل ذلك بيوم واحد، دُمر مبنى من خمسة طوابق، يضم العديد من شركات الإنتاج الإعلامي ووسائل الإعلام، بما في ذلك وكالة أسوشيتد برس.
وتفيد تقارير بمقتل أكثر من 130 فلسطينيا، من بينهم أربعة وستون طفلا على الأقل، بالإضافة إلى أكثر من 1500 جريح. كما تقول وزارة الإعلام في غزة إن أكثر من 185 عقارا سكنيا وتجاريا دمرت. وفي الوقت نفسه قالت إسرائيل إن 12 شخصا قتلوا بصواريخ المسلحين.
ماذا عن الولايات المتحدة؟
لطالما اجتذب ردّ إسرائيل المكثف في مسرح حرب المدن مزيجا من الدعم القوي والإدانة من المحللين والخبراء في الولايات المتحدة. وقد جرّ النقاش إلى التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقوم بحملة جوية مماثلة في المناطق الحضرية المزدحمة كما نرى؟ ماذا تقول العقيدة العسكرية بالضبط؟ يقول جون فينابل، وهو من قدامى المحاربين، خدم في سلاح الجو الأمريكي خمسة وعشرين عاما، وهو باحث بارز في السياسة الدفاعية في مؤسسة هيريتيج:
“إن إسرائيل تشتبك بنشاط مع عدو يمتلك تهديدا حقيقيا ومستمرا لشعبها وصناعتها وحكومتها، أي وجودها ذاته. وهذا العدو لا يريد أكثر من خلق كابوس قضية عامة للإسرائيليين من خلال إجبارهم على ضرب أهداف لا يوجد فيها مفر من احتمال قتل الأبرياء”.
ويضيف الخبير العسكري الأمريكي: “إن قواعد الاشتباك التي تحكم الاستهداف والأضرار الجانبية التي يمكن للولايات المتحدة أن تقبلها تقوم على أساس التهديد. وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، لم تشكل الجيوش أو الفصائل العسكرية التي حاربناها تهديدا حركيا مستمرا للولايات المتحدة وشعبنا. ومع مراعاة ذلك، فإن قواعد الاشتباك والتعليمات الخاصة متحفظتان للغاية ولا يقبلان سوى النزر اليسير من الأضرار الجانبية”.
وافترض فينابل أنه “إذا واجهت الولايات المتحدة تهديدا مماثلا، مع وجود تهديدات للمواطنين الأمريكيين، فليس هناك شك في أن قواعد الاشتباك لدينا ستصبح بدورها عدوانية بنفس القدر، ولكن الصعوبة المتمثلة في العمل في بيئة حضرية مكتظة بالسكان لا تزال هائلة”.
خيار “مستبعد”
غير أن غوردون كوكولو وهو عقيد سابق في القوات الخاصة وشارك في القتال في فيتنام والسلفادور، يستبعد أن تقوم الولايات المتحدة على الأرجح بحملة جوية مماثلة في مناطق حضرية مزدحمة معللا ذلك بالقول:
“لقد نسي الأمريكيون حقيقة الحرب، ونحن مرعوبون من احتمال إلحاق خسائر في صفوف المدنيين حتى لو كان المدنيون يدعمون العدو بنشاط. كما نخشى الصحافة المعادية، وقيادتنا ترتعد من تهديد الاتهامات الدولية.
وبالنسبة للجنود والقادة، فإن (المدن) هي أقل مكان مرغوب فيه للقتال، ومع أنواع قواعد الاشتباك الجنونية التي يفرضها المحامي العام العسكري وقيادتنا على المقاتلين تجعل المهمة الصعبة أكثر صعوبة”.
وأشار الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق أكثر من 3750 صاروخا من غزة على إسرائيل، وتم اعتراض أكثر من 90 بالمائة منها بواسطة تقنية القبة الحديدية في البلاد. لكن النشطاء نددوا منذ فترة طويلة بأن الانتقام العدواني ضد مجتمع محاصر يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. يأتي ذلك بعد أن فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في جرائم حرب محتملة ارتكبت بين الطرفين في الحرب منذ حوالي سبع سنوات وحذرت من أنها قد تحقق أيضا في الأزمة الحالية.
وأشار العديد من الأفراد العسكريين الأمريكيين، الذين لم يُصرح لهم بالتحدث علنا، إلى أن نهج الولايات المتحدة سيعتمد على الأرجح على “تفسير القائد لتهديد العدو في منطقة حضرية مكتظة”. وإن فهم مقدار القوة الجوية المطلوبة وفعالية البدائل غير الجوية الأخرى سيكون بمثابة أسئلة حرجة أيضا.
واستنتج آخرون أنه حتى مع التركيز الدقيق للغاية على هدف عالي القيمة، فإن الولايات المتحدة تفضل بشكل عام فريق عمل مباشر وحتى استخدام الذخائر الموجهة بدقة، والتي تسمح بمزيد من الحرية في البيئات الحضرية، غير أنها في النهاية لن تستخدم بدون وجود أولوية عالية.
التجربة مع “داعش”
ومع ذلك، يشير الصراع في الشرق الأوسط إلى التحديات التي تنبع من القتال الكثيف في المناطق الحضرية، والذي يختلف كثيرا عن التلال النائية والسهول الوعرة في الأدغال الاستوائية. وفي الواقع، تحملت الولايات المتحدة نصيبها من الانتقادات بشأن مقتل المدنيين في الحملات الجوية.
وتختتم مكاي تقريرها بأن القوة النارية الهائلة ساعدت التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق في هزيمة تنظيم “داعش” في المدن الكبرى.
ومع ذلك، أدى عدد المدنيين الذين قُتلوا في ضربات التحالف الجوية والمدفعية بين عامي 2015 و2020 إلى سقوط أكثر من 1400 قتيل من المدنيين، وفقا لتقرير حديث أعدته مجموعة مراقبة الحروب الجوية (إيرورز)، ومقرها المملكة المتحدة. ويعزى ارتفاع عدد الوفيات إلى تخفيف قواعد الاشتباك عندما تولى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منصبه.
DPA